ما بين غزة وليبيا تشتت الدولة المصرية، وصار التركيز على الوضع الإقليمى أكثر من الأوضاع الداخلية، لما له من تأثيرات سلبية على الأمن القومى المصرى.. فكلما اقتربت مصر من حسم أزمة قطاع غزة بالتوصل إلى اتفاق تهدئة قصيرة تمنح الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى فرصة للتفاوض، يحدث شىء يعيدنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر، حتى عندما شاركتنا هذه الجهود الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية بإعلانهما أمس الأول التوصل لهدنة الـ 72 ساعة، لم تكد تبدأ هذه التهدئة حتى تفجرت الأوضاع مرة أخرى فى القطاع، وسارعت إسرائيل إلى إعلان انتهاء الهدنة المؤقتة، وعادت مرة أخرى سياسة العربدة ضد الفلسطينيين، محملة حماس المسؤولية عن هذا التصعيد.
أما فى الجارة ليبيا فإن الوضع لا يقل خطورة، بل إن خطورته تكمن فى أن القتال بين الأشقاء الليبيين أنفسهم، فالدماء الليبية تسيل على يد الليبيين أنفسهم فى صراع على السلطة سيقضى على الدولة، ولن يبقى منها شيئًا سوى دويلات صغيرة تحكمها ميليشيات مسلحة، وهو بالتأكيد وضع لا نتمناه فى مصر لعدة أسباب، لعل أهمها أن ليبيا تمثل العمق الاستراتيجى لنا، فضلًا على الترابط الأسرى والعائلى بين مصر وليبيا، وتواجد العمالة المصرية التى تتجاوز المليون مصرى داخل الأراضى الليبية.
هذا هو الوضع حاليًا على حدود مصر الشرقية والغربية.. وضع ملتهب، وفى غاية السوء والتوتر، وليس على الدولة المصرية سوى أن تنقل اهتمامها من الشأن الداخلى إلى الحدود لمحاولة احتواء الآثار السلبية، والأضرار الناتجة عن هذه الأوضاع المقلقة لنا فى الداخل.
موقف صعب يواجهه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحكومة المهندس إبراهيم محلب، فالأزمة الاقتصادية فى مصر مازالت قائمة، فضلًا على أن الإرهاب مازال يطل بوجه القبيح، وما بين الاثنين تطل علينا ملفات إقليمية لا تقل أهمية عن الوضع الداخلى، وتتطلب أن يكون لمصر دور فاعل بها، ليجد «السيسى» نفسه فى وضع لا يُحسد عليه، فكل الجبهات مفتوحة أمامه، بل إنه لم يعد يملك ترف الاختيار وفق الأولويات والاستراتيجيات، لأن كل الملفات طغت على الساحة مرة واحدة، وتحتاج لفكر جديد يتلاءم مع هذا الوضع الغريب، وليس لدى شك فى أن «السيسى» لديه هذه الفكر الذى سيحاول من خلاله إنقاذ مصر مما تعانى منه حاليًا، خاصة على حدودها.