دخل نجيب الريحانى التاريخ بدموعه الحزينة فى المشهد الأخير فى فيلم "غزل البنات"، مع العمالقة يوسف وهبى وأنور وجدى وليلى مراد، وأبكانا جميعا بتعبيرات وجهه الساحرة على أنغام أغنية "عاشق الروح" لموسيقار الأخيال محمد عبد الوهاب و"ضحيت هنايا فداه وهعيش على ذكراه".. وفعل بنا يحيى الفخرانى نفس الشىء فى مسلسل "دهشة"، وفجر الدموع فى الأعماق بعواطفه الجياشة، وهو يرتمى فى أحضان ابنته الصغرى "يسرا اللوزى"، التى تحولت بقدرة قادر إلى عملاقة صغيرة مخضرمة، تسرى فى عروقها الفنية روح الفخرانى.
سامح الله الفخرانى الذى أعادنا إلى زمن الفن الجميل، دون مشاهد عارية أو خادشة للحياء أو إفيهات جنسية فاضحة، ولو أحضروا إنسانا فقد عقله أو مجنون ليلعب دور الباشا "الباسل"، ما أجاد مثل الفخرانى بشعره المنكوش ونظراته التائهة وخطواته الضائعة، لا يفتعل كلاما أو إيماءات وحركات، ولا يبتز مشاعر المشاهدين بالتمثيل عليهم، ولا يتسول النجومية باستحضار أدواره القديمة، فهو متجدد دائما ويؤدى المشاهد التمثيلية بميزان من ذهب، فلا يشعرنا أنه يمثل أو يفتعل بل يؤدى الواقع ويعيش الحقيقة ويجسد الحياة.
الفخرانى أعاد إلى الفن المصرى الروح، وأثبت للجميع أن مصر كانت وستبقى بلد القوة الناعمة، التى تغوص فى أعماق الوجدان العربى، فتوحد مشاعره وتضبط بوصلته وتوحد مؤشراته، تماما كما كان يفعل العمالقة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ونجيب الريحانى ويوسف وهبى وحسين رياض، وطوابير طويلة من المبدعين، لو أحصيناهم لزاد عددهم عن سكان قطر التى تتطاول على بلدنا العظيم.