أخشى ما أخشاه أن يكون الاختصار الصحفى اللازم للنشر ( الشروق 6-4-2014 ) قد اجتزأ كلام الأخ الجميل والزميل العلامة على مستوى مصر والعالم أ.د. أحمد عكاشة إلى ما قد يصل للقارئ على غير ما أراد الزميل الفاضل، لكنى أود أولا أن أشكره على توضيح عدة نقاط، بجلاء مفيد ومن ذلك:
أولا : نبهنا أ. د. عكاشة إلى أن هذا الإجراء تجربة مصرية غير مسبوقة فى أى بلد فى العالم، وربما فى هذا إشارة منه إلى أنه سبق سياسى أو طبى ينبغى التعامل معه تجريبيًا، فجعلنا نتساءل: لماذا لم تسبقنا إليه الدول الأكثر تقدمًا، وأيضًا لم تلجأ إليه الدول الأكثر تضررًا من شطحات الرؤساء .
ثانيا : علّمنا أنه فى البلاد المتقدمة يكون الملف الطبى هو نقطة البداية (وربما البديل) لهذا الفحص القبلى، أو الطارئ إذا جد جديد أثناء الحكم، والملف الطبى يحتوى نتائج الكشف الدورى حتى للشخص المتحضر العادى، فما بالك بمرشح للرئاسة.
ثالثا: نورنا سيادته أن الملف الطبى للرئيس السابق قد اختفى من جامعة الزقازيق، ونحن نعيش هذه المحنة الجديدة من خيانة الأمانة، مما يؤثر فى كثير من التحقيقات الجارية حاليًا، إذ يبدو أن القاعدة أصبحت هى أن تختفى الملفات والأوراق التى يمكن أن تثبت النقص أو الإدانة على المتهم إذا كان شخصًا عامًا مَهْمَا كان مبلغ الجريمة حتى الخيانة العظمى، ذلك لأنه بمجرد أن يتولى "المهم" منصبا "مهما" يسارع بالتعامل مع الملفات الخاصة به (وبغيره) حسب الهوى الجديد، وهذا فى ذاته رذيلة أخلاقية وسياسية، تصل عقوبتها فى بعض الدول المتقدمة إلى العزل الشرعى!
رابعا: نبهّنا سيادته أيضا أن "الانفلات" (وهو ليس مرضا فى ذاته) الذى يظهر فى أداء أو تصرفات أى رئيس أثناء رئاسته، يحتاج إلى الفحص كما يجرى لأى رئيس فى العالم، لكن عندنا: من الذى يعلق الجرس فى رقبة القط (برجاء الرجوع إلى قصة هانز كريستيان أندرسون أمس: ملابس الإمبراطور الجديدة).
وإنى إذ أكرر شكرى للصديق العالم على كل هذه المعلومات المفيدة والمفيقة، أنتقل لما تصورت أنه اختُصِرَ أوعلى الأقل لم يثبت حرفيًا لأننى أرجح أن سيادته كان يستعمل عبارات مثل "ربما"، أو "الأرجح"، لعل المحرر الناقل لم ينتبه إليها.
أولا : إن تفاصيل العملية التى أجراها رئيسنا السابق فى المخ ليست فى المتناول ، فهى إما مثبته فى الملف الطبى الذى اختفى، وإما هى غير متاحة أصلا، والتعقيب على تفاصيلها ينبغى أن نتناوله بحذر شديد فى انتظار التفاصيل الداعمة له مع ذكر عدد من الاحتمالات.
ثانيا: إن "اتجاه زاوية الفم لناحية معينة" لا يحدث فقط نتيجة لاحتمال إزالة العصب السابع الوجهى (الدماغى) فى المخ، لكن له أسباب أخرى كثيرة لا نستطيع الجزم بها إلا بعد الاطلاع على تفاصيل العملية، ثم إعادة الكشف والفحوصات "الآن" ....الخ
ثالثا: إن مضادات الصرع، لا تعطى للمصاب بالصرع فقط، ولكنها تعطى فى أمراض نفسية وعقلية كثيرة، وتعاطيها فى ذاتها ليس دليلا على مرض بذاته، لذلك قال سيادته يعلمنا "إما للعلاج أو الوقاية"، لكننى خشيت أن يتصور القارئ أنه مادام اسم العقار "مضاد للصرع" فهذا قد يعنى عنده مباشرة أن متعاطيه يعانى من الصرع تحديدا، وهذا ما لم يقصده الصديق الزميل طبعا.
رابعا: فى حدود علمى (أو فى حدود جهلى) إن المخ البشرى أكثر تعقيدًا وتكثيفًا وتداخلا واشتباكات لا نعرف منها وعن طبيعتها إلا أقلها، وإن الاتجاه الأحدث فى العلم المعرفى العصبى يتعامل مع المخ "ككل متعدد المستويات" "متعدد الوظائف،" قادر على أن "يعيد بناء نفسه باستمرار" حتى من خلال ما يسمى العلاج النفسى، لذلك فإنه لا توحد اختبارات مهما بلغت دقتها، ومهما كانت شطارة الكمبيوتر، يمكن أن نتعرف من خلالها بدرجة كافية على "الضرر" الموجود فى الفص الأمامى باعتبار هذا الفص – كما هو منشور ، هو المسئول عن "كل" "النواحى المعرفية وحل المشكلات والمرونة فى التفكير ومعالجة المعلومات لنتعرف هل يوجد نوع من الإعاقة غير قادر على أداء مهامه كما قالت لجنة الانتخابات" (انتهى المقتطف)، كل هذه أمور تحتاج نقاشا علميا طويلا، خاصة وأن ثورة العلم المعرفى العصبى الأحدث قد كشفت مدى تواضع المعلومات التى لدى العلماء والباحثين عن طبيعة ما يسمى "الوعى" ومستوياته و"الإدراك" وعلاقته بالوجدان والتفكير والأخلاق وعلاقة كل ذلك بعمل مستويات المخ المتكاملة طول الوقت.. ألخ.
خامسا : وبالتالى فإن درجة كفاءه الفص الأمامى ليست وحدها هى المسئولة عن "الضمير" و"المروءة" و"الأخلاق"، ولا حتى درجة كفاءة المخ مجتمعا ، فقد امتد اهتمام العلم المعرفى العصبى الأحدث إلى العناية بدور "الجسد" فى التفكير والوجدان والإبداع، كعضو مفكر متكامل مع المخ، فلا التفكير ولا حتى الذاكرة متركزين فى المخ وحده، فما بالك المروءة والضمير والأخلاق؟!
وبعد
فأنا متأكد تمامًا تمامًا أن هذه المعلومات لم تصدر هكذا، حرفيا عن الزميل الصديق العالم الجليل، لكنه ربما أراد بتواضعه أن يبسط الأمور فقال مجرد عناوين لعل بعضها اختزل دون قصد.
أنتهز الفرصة لأذكر المجتمعين الأفاضل، كما يعلمنا أ.د. عكاشة بطريقته غير المباشرة إن المسألة ليست فى فحص الفص الأمامى ، بل الأهم والأولى هو فحص الحركات السياسية التحتية المحرِّكة (الفص الخلفى للُحْكم) وراء كل رئيس، سواء من المحيطين أو المستشارين أو المنتفعين سرا وعلانية فى الداخل والخارج، على مستويات الوعى المتصاعدة المختلفة.