ومازلنا نحصد نتائج بيئة إعلامية فاسدة إلا ما ندر، ولكن هذه المرة على الصعيد الخارجى، بيئة إعلامية تتعمد أن تختصر قضية غزة وشعبها فى أنهم جماعة حماس ونقطة. وهذا يعد جريمة نرى آثارها ينعكس فى تكوين رأى عام مصرى غير متعاطف مع قصف بيوت المدنيين وقتل الأطفال والسيدات والشيوخ والرجال العزل دون أى ذنب لهم، ودون أى سابق إنذار، مما يجعل المنطق ينتحر فى مصر للمرة التى لا أعرف عددها. رأى عام حتى لا يرى الخزى فى بيان الخارجية الذى استخدم لفظًا لن تستخدمه أكثر القوى المعارضة للقضية الفلسطينية وهو «العنف المتبادل».
رأى عام يرى أن فتح المعابر هو إجراء مساند للإرهابيين من حماس، ولا يرى فيه أى عمل إنسانى لإنقاذ المصابين، وتزويد الأهالى بما يحتاجونه من موارد فى وقت حرب.
رأى عام فتح النار على إعلام أراد أن يكون لمصر أكبر دولة عربية موقف حاسم إجرائيًا، وليس «حربًا» مما يحدث من عدوان إسرائيلى غاشم على غزة، يجوز أن يكون قد خانه التعبير فى جملة أو جملتين فى تحميل مصر وسلطتها كل المسؤولية، ولكن باقى حديثه عن رد الفعل الرسمى عما يحدث فى غزة هو كلام مطابق للواقع لا يخالفه.
للأسف هذا هو الرأى العام تجاه غزة التى تحت القصف الآن، ولكن بمتابعة ردود أفعال مختلفة من أطراف أجدهم أقلية، ولكن وجب تسليط الدور عليهم، وأن يكون لهم دور حقيقى فى تغيير هذا الرأى العام الصادم حتى لا نفقد إنسانيتنا، ونتحول إلى مجتمع يعيش على رائحة الدم، ويشمت فى الضحايا، ولا يتأثر بعدوان محتل على أرض وعرض شعب مدنى أعزل.
ومن هذه الأطراف لفت نظرى بيان حزب الشباب الليبرالى، وهو حزب وليد من مجموعة مثقفة ورائدة من الشباب أرى أن لهم دورًا فى المستقبل، حيث أشار البيان إلى تضامنهم مع شعب غزة المحاصر بين مطرقة الإرهاب الإخوانى الحمساوى، وسندان إرهاب العقاب الجماعى الإسرائيلى، وشدد على وقف قتل الأبرياء، وطالب إسرائيل بوقف خرقها للقانون الدولى والإنسانى، كما أدان بيان الحزب محاولات حماس المستمرة للمتاجرة بشعب غزة، «وهنا كان الفصل واضحًا من أن اختزال غزة فى حماس هو مجافٍ للحقيقة والمنطق». وكان موقف الحزب مع فتح المعابر فى الحالات الإنسانية، وعلق الحزب على استخدام الخارجية لفظ «العنف المتبادل» بأنها رفضت أن تشير بوضوح لإرهاب حماس، وراعت الحس الشعبى المتعاطف مع الشعب الفلسطينى، وقد أختلف مع ذلك التفسير بالطبع، ولا أجد أى مبرر لاستخدام مصطلح «العنف المتبادل» من قبل الخارجية.
وقد وصلتنى الرسالة التالية من أحد المتفاعلين مع القضية الفلسطنية على مواقع التواصل الاجتماعى: «الوطن سينتصر.. وهنا لا أقصد بالوطن مصر فقط بل أقصد الوطن العربى.. اختلفنا مع حماس نعم، خانوا القضية نعم، لكن هل نبيع أنفسنا للصهاينة لمجرد فصيل قبل أن يكون خادمًا للكيان الصهيونى، أنا أكتب هذه الكلمات لأنى أرى بعض المصريين يرضون بالوضع الحالى الدامى المميت فى غزة، واختصارهم قضية فلسطين فى حماس، كيف أكون رجلا وأشاهد طفلًا رضيعًا يستشهد وأصمت لكرهى حماس!، يا جماعة حماس إلى زوال وسننتصر، فالخاين سوف يقضى على نفسه بنفسه، ولكن قضيتنا العربية هى التى يجب أن نزرعها فى أنفسنا وأولادنا اللى بقيت بخاف عليهم دلوقتى».. كتب كلامه عندما شعر برفضه برضا الأغلبية المصرية عن الوضع الحالى فى غزة، وأنهم ينظرون بزاوية ضيقة جدًا أن غزة هى حماس.
وهناك آخرون ممن أرادوا أن يعبروا عن رفضهم فقط لأداء حركة حماس وتضامنهم الكامل مع غزة، فأنشأ أحمد شوشة الشهير بـ«الكبير» على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» هاش تاج يحمل اسم «حماس حركة مساومة لا مقاومة»، وأوضح من خلال هذا الهاش تاج مخاطبًا الرأى العام على هذه المواقع الاجتماعية: «يا جماعة فلسطين مش حماس، كلنا بنكره حماس، وبنتعذب لما بنشوف اللى بيحصل فى الشعب الفلسطينى، زى بالضبط كده إن الإخوان مش الشعب المصرى.. فوقوا»، وأعرب أحمد أيضًا عن رفضه لبيان الخارجية، وعن دعمه لفتح معبر رفح مع تشديد الرقابة عليه.
وقد ساهمت حماس بغبائها المعتاد أن يشكل هذا الرأى العام فى مصر عندما يصرح «مشعل» تصريحًا فى منتهى الاستفزاز، مشيرًا لانتظاره نخوة جيش مصر العظيم لأمته العربية! متجاهلًا هذا التصريح أيام صديقه الإخوانى محمد مرسى، ويساهم هذا التصريح المتاجر به «مشعل» فى أن يجعل الرأى العام يخلط بين وجود رد فعل رسمى قوى لمصر، وبين جر الجيش المصرى لحروب بعينها.
لن ننجر إلى حروب تهدد أمن مصر القومى، وسلامة شعبها، ولن نلتفت لجماعات المساومة، وفى نفس الوقت لا بد أن يكون هناك موقف علنى حاسم مناسب لمكانة مصر، متمثل فى مطالبة إسرائيل بالتوقف الفورى عن العدوان على غزة، وموقف إنسانى متمثل فى فتح المعابر، وتشديد الرقابة عليها، وتقديم كل العون المادى والمعونى لهذا الشعب الذى آراه دومًا ضحية كل الأطراف التى لا تفكر إلا فى نفسها ومصالحها، وتتجاهله بل وتتاجر به أحيانًا.