السؤال الذى يحتاج إلى إجابة واضحة، من كل واحد فينا، هو: لماذا يحظى المهندس إبراهيم محلب بما يشبه الإجماع بيننا، حين نتكلم عن رئيس وزراء جديد، يأتى فى مكان د. حازم الببلاوى؟!.. لماذا «محلب» تحديداً من بين أعضاء حكومة الببلاوى، رغم أن فيها 34 وزيراً، بينهم وزراء ممتازون بالقطع؟!.. لماذا «محلب» على وجه الخصوص، رغم أنه، لمَنْ يتابع كلام الوزراء فى الإعلام، يظل أقلهم حديثاً فيه، وبالتالى، فهو لم يمارس دعاية لنفسه، فى هذا الاتجاه، ولا أظن أن أحداً مارس دعاية له نيابة عنه؟!
هل لأنه كان على رأس «المقاولون العرب» لسنوات، وأنه تعلم، من خلال تلك التجربة، أن ما يبقى عنك، بين الناس، هو ما تقيمه وتبنيه بيديك، فى شكل كيان حى على الأرض؟!.. ربما.. فهذا سبب مهم، ولكنه ليس الأهم، كما سوف نرى حالاً.. غير أن حكاية «المقاولون العرب» تظل صحيحة فى إجمالها، بمعنى من المعانى، لأن صاحبها «المعلم» الكبير، عثمان أحمد عثمان، كان قد أسسها على هذه الأرضية، وعلى هذه الفكرة، وهى أن الملايين حولك لن يؤمنوا منك إلا بما يقوم على يديك، أمام أعينهم، فى شكل بناء يتصاعد نحو السماء، وعندها، سوف لا تكون فى الغالب فى حاجة لأن تتكلم كثيراً ولا قليلاً عما فعلته، لأنه هو نفسه سوف يتكفل بتقديم ذاته إلى كل مواطن!
غير أن السبب الأهم، فى اعتقادى، هو الصدق فى الأداء، وإذا كان هناك معنى لهذا النوع من الصدق هنا، فهو أن تظل تعمل، وفقط، دون أن تشغل بالك بأى درجة، بوصول ما تعمله إلى المحيطين بك، أو عدم وصوله!
فما يشغلك، فى حالة كهذه، هو العمل وحده، كفكرة مجردة، وما عدا ذلك لا يكون، على الأرجح، فى حسابك بأى مقدار.
هذا، فى ظنى، هو الصدق فى العمل، وفى الأداء، وتقديرى أنه يصل سريعاً إلى كل فرد حولك، دون أن تدرى، ودون أن تقصد، ودون أن تتعمد!
مثلاً.. كنت قد كتبت، فى هذا المكان، أيام حظر التجول، وفى أجواء ما بعد ثورة 30 يونيو مباشرة، أطالب المهندس محلب بأن ينتهز فرصة خلو الشوارع، مساء، من المارة، بسبب الحظر، فيصلح ما فسد من الطرق والكبارى، حتى إذا زال الحظر، وزالت أسبابه، عاد المصريون إلى عملهم العادى، واكتشفوا أن غيابهم الإجبارى عن الحركة فى شوارع البلد وميادينه قد استغله المسؤول المختص أفضل استغلال وأحسنه!
كتبت هذا المعنى بعد أن كان قد مضى على فرض الحظر أيام وأسابيع، وكنت أرجو أن يسارع هو إلى انتهاز ما تبقى من وقت، فى إصلاح ما استهلكناه، فى الطرق، وفى الكبارى، خصوصاً الرئيسية منها.
وكم كان مدهشاً لى أن أعلم من الرجل، يومها، أن ما أدعوه إليه يعمل به هو فعلاً، منذ فترة، وأنه ذاهب فى منتصف ليل اليوم ذاته، الذى حدثنى فى صباحه، إلى كوبرى أكتوبر، ليفتش عما تم من إصلاح فيه، وأنه يداوم على دورياته الليلية غير المعلنة، فى أكثر من طريق، وعلى أكثر من كوبرى!
لذلك، أقول، أن أداء صادقاً مع نفسه، من هذه النوعية، يصل إلى عموم الشعب، حتى ولو لم يتناوله الإعلام، ويركز عليه الضوء، لأن الصدق تحسه أنت ولا تراه، ولأن صاحبه يمارسه دون تعسف، ولا افتعال!