روى لى الدكتور عصام عبدالصمد، رئيس اتحاد المصريين فى أوروبا، أنه كان مع عدد من الصحفيين الإنجليز فى لندن، قبل أيام، وأنه لمس منهم أنهم فى غاية الذهول من الطريقة التى تُدار بها محاكمات مرسى وأفراد جماعته أمام القضاء، أو بمعنى أدق، فإن الذهول من جانبهم راجع أساساً إلى الأسلوب الذى يتصرف به المتهمون أمام هيئة المحكمة، ثم إلى طول بال الهيئة مع كل واحد فيهم، بما أغواهم بالتمادى فى التصرف بشكل أخرق!
فالقاضى فى بريطانيا يملك بالنسبة للمتهم، أى متهم، ما لا تملكه الملكة ذاتها، وهو ما يملكه أى قاضٍ فى أى بلد آخر بالضرورة، وبالتالى فليس من المتصور، ولا فى الخيال، أن يقف متهم أمام القاضى، ثم يقول له على مرأى من الدنيا، وبأعلى صوته: إنت مين يا عم!! وهو ما قاله، بكل أسف، واحد من عينة محمد مرسى للقاضى الجليل الذى يتولى محاكمته على رزاياه، ورزايا جماعته طوال عام لهم فى الحكم!
قلت للدكتور عصام إن عبارة كهذه من جانب مرسى، أمام القاضى، لم تجعل المتابعين للمحاكمة يغرقون فى الضحك فقط، وإنما لابد أنها كشفت بشكل تلقائى عن مدى تواضع عقلية رجل قادته الصدفة لأن يكون على كرسى الحكم فى مصر، لمدة عام كامل، بما يجعلنا فى الوقت ذاته نتصور فداحة الخسارة التى أصابت بلداً بوزن بلدنا، عندما شاء له سوء حظه أن يحكمه واحد مثل محمد مرسى فى يوم من الأيام!
العالم من حولنا، إذن، يتابع المحاكمة، لحظة بلحظة، ويدهشه لأقصى حد أن نسمح للمتهمين بأن يتعاملوا مع المحكمة بهذا الشكل الصبيانى الذى يتصرفون به داخل القاعة!
هل يمكن لأى بلد فى العالم أن يسمح قضاؤه بأن يعطى المتهم ظهره للقاضى؟! إن القاضى بالطبع يملك من الوسائل ما يردع به مرسى، وأفراد جماعته، عن فعل ساقط من هذا النوع، ولابد أن فى يد القاضى وسائل كثيرة، ليس أولها طرد المتهم وتغييبه عن الجلسة، بحيث تمضى فى إجراءاتها، فى غيابه، بصورة طبيعية جداً، وتكون صحيحة مائة بالمائة، ولا آخر الوسائل أن يحبسه ما يشاء من المدة ليخرج مثل هذا المتهم من جلسة التخابر - مثلاً - وقد صدر عليه حبس فى قضية أخرى تماماً، هى عدم إدراك أن للمحكمة جلالها، وأن للقاضى احترامه الذى لا يجوز للمتهم، أى متهم، أن يمسه تحت أى اعتبار!
وحتى يكون الذين يتابعون المحاكمة بيننا على بينة من أمرها كمحاكمة، فإنه ليس من حق مرسى، ولا أحد من رموز جماعته المتهمين معه، ولا حتى من حق محاميهم، أن يتكلم مع القاضى بشكل مباشر هكذا، على نحو ما نرى ونتابع، فالمتهم يتكلم مع القاضى فى حالة واحدة، بل وحيدة، هى أن يسأله القاضى سؤالاً محدداً، فيجيب، عندئذ، على قدر السؤال وحده، وللقاضى أن يوقفه تماماً، بل يخرسه، إذا ما راح يهرتل، على طريقة مرسى، ويقول كلاماً فارغاً، وبلا معنى!
الحق أن السلطة القضائية فى حاجة إلى أن تعيد النظر فيما تسمح به هيئة المحكمة لمرسى ومتهمى جماعته، منذ بدء محاكماتهم على بلاويهم لأن صبر المحكمة عليهم قد جعلهم يتمادون ويتصرفون فى القاعة تصرف العيال غير المسؤولين، وأظن أن القاضى يملك فى يده، بالقانون، ما يجعل «مرسى» يتعلم الأدب فى حضور القاضى، وما يجعل باقى أعضاء جماعته، أو عصابته، لا فرق، يدركون أنهم فى «محكمة» بكل ما للكلمة من معنى، وليسوا جالسين على رصيف فى عرض الشارع!