اليوم هو العيد الأكبر والأهم فى التاريخ المصرى الحديث، بل القديم أيضاً، حيث أفلح عموم المصريين للمرة الأولى فى بدء ثورة سلمية أدت بعد ثمانية عشر يوماً إلى خلع الحاكم الذى يجلس على مقعد الفرعون، الذى لم يستطع شعبه يوماً أن يزيحه منه، وظلت هذه الإزاحة وذلك الخلع حكراً على ساكنى القصور الحاكمة ومن هم فى أجهزة الدولة وليس عامة المصريين. هذه الثورة العظيمة التى تَمَثَّل إنجازها الأكبر والوحيد فى التغيير الجذرى والعميق فى ثقافة المصريين السياسية، وانتهاء خوفهم للأبد من الحاكم الفرعون، استكملت حلقتها الثانية الرئيسية فى 30 يونيو 2013 بنفس الطريقة السلمية لتخلع الرئيس الإخوانى، ليتأكد للجميع أن الشعب قد تغير، ولم يعد يخاف من الفرعون، وأنه قادر على مواجهة أى تحد والانتصار عليه.
هذا هو المعنى الوحيد الرئيسى المستمر لثورة 25 يناير، والذى لم تستطع عقبات ومصاعب بل كوارث السنوات الثلاث التى أعقبتها أن تغير منه شيئاً. وهو هذا المعنى الذى يبدو واضحاً أن جماعة الإخوان المسلمين وتحالفها من الجماعات والأحزاب الإسلامية الصغيرة لم يستطيعوا أن يدركوه حتى الآن، فما جرى خلال الأسابيع الماضية حتى صباح أمس من تفجيرات وهجمات انتحارية وصاروخية، وبالرصاص على أهداف أمنية وعسكرية ومدنية، بالإضافة إلى المظاهرات العنيفة التى تجول، فتثير الفوضى أينما حلت، يؤكد أن الجماعة وتحالفها مصممان على أن يكون العنف التنظيمى وليس الغضب الشعبى هو سبيلهم الوحيد لإعادة الساعة إلى الوراء وإعادة ما يرون هم وحدهم أنه الحكم «الشرعى» لمصر.
ويبدو أن الإخوان وتحالفهم قد فقدوا القدرة على الرؤية الصائبة والتمييز العقلى حينما يعتقدون أن العنف الذى يتحول الآن إلى المنهج الوحيد لهم هو السبيل الوحيد للعودة لحكم مصر وإخضاع المصريين لهم، شعباً وأجهزة دولة. وليس فقط مستحيلاً أن يتم التغيير بهذا المنهج العنيف الذى فشل فى كل مكان فى العالم، بل أيضاً سيظل مستحيلاً أن تخضع مصر، شعباً ودولة، لحكم الإخوان إذا ما توهمنا أنه عاد ثانية بطريق العنف والإرهاب، فهذا المنهج وقبله الطريقة التى حكم بها الإخوان مصر فى عامهم الوحيد تحت رئاسة الدكتور مرسى يؤكدان أن الجماعة لم تفقد فقط تعاطف وتأييد غالبية المصريين الساحقة، بل إنهم لم يعودوا مستعدين ليس لأن تقوم بحكمهم، بل ولا أن تكون واحدة من القوى السياسية الرئيسية الشرعية التى تتنافس فى الساحة السياسية.
غاب عن الإخوان وتحالفهم فى ظل انغماسهم الكامل فى منهج التكفير وسلوك التفجير أن المصريين الذين ظلوا آلاف السنين يرتعدون من الفرعون وسلطته، لم يعودوا يخشون تنظيماً أو تحالفاً يسعى لترويعهم ببضعة تفجيرات أو هجمات، بعد أن نجحوا بثوراتهم السلمية أن يضعوا فرعونين وراء القضبان فى خلال ثلاثين شهراً. المصريون باتوا محصنين ضد الخوف وضد الشعور بأنهم الأضعف، وأن فرعوناً أو تفجيراً يمكن له أن يجعلهم يغيرون رؤيتهم أو موقفهم. المصريون باتوا اليوم، بعد سنوات ثلاث من هزيمتهم الخوف التاريخى الذى سيطر عليهم آلاف السنين، قادرين على مواجهة أى قوة مهما كان عنفها، وهم اليوم فى ذكرى هذه الثورة سيملأون ميادين وشوارع بلدهم بالملايين، لأنهم يشعرون اليوم بأن هناك تحديا لإرادتهم الجديدة وقوتهم المكتسبة عليهم أن يهزموه ويكسروه، وسيهزمونه ويكسرونه بإذن الله.