ماذا يريد الإخوان؟ هذا هو السؤال الذى يطرحه معظم المصريين، وأعداد كبيرة من الأطراف الخارجية المهتمة بالأوضاع المصرية. فإذا كانت البداية بالأطراف الخارجية، فإنه يبدو واضحاً من زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى كاترين أشتون الأخيرة، أن الإخوان باتوا فى وضع لا يسمح لهم بطرح مطالبهم القديمة التى تساقطت الواحد بعد الآخر، سواء كانت عودة الرئيس المعزول أو دستوره المعطل أو برلمانه المنحل.
بدا واضحاً من تصريحات أشتون المؤيدة لمضى مراحل خارطة المستقبل فى طريقها المرسوم، أو من تسريبات الاجتماعات التى عقدتها مع مختلف الأطراف بما فيها الإخوان المسلمين، أن غاية مطالب الجماعة اليوم هى الإفراج عمن يسمونهم المعتقلين السياسيين، ووقف مصادرة وتجميد الأموال والممتلكات، والسماح بعودة الجماعة ككيان تنظيمى غير قانونى يمارس ما ظل يفعله طوال خمسة وثمانين عاماً سابقة من خلط للسياسة بالدين والدعوة.
وكان الموقف الأوروبى، كما حملته وأعلنته أشتون من القاهرة، غير بعيد عن الموقف الأمريكى كما ظهر فى صور عديدة من واشنطن، وهو أن كليهما لم يعد يحمل أو يطرح أى نوع من المبادرات أو الوساطات لحلحلة الأوضاع فى مصر بين الإخوان والدولة، ومعها الغالبية الساحقة من الشعب والقوى السياسية. بدا الموقفان الأوروبى والأمريكى شبه موحدين حول مطالبة الحكم الانتقالى فى مصر بسرعة إنجاز مراحل الخارطة التى أعلن عنها للمستقبل، والانتهاء منها فى مواعيدها المحددة دون تأجيل أو تأخير، بينما تراجع موقف الإخوان ومطالبهم المعدلة، التى أبلغوا بها الأوروبيين والأمريكيين، إلى مؤخرة اهتمام الطرفين اللذين وجدا أنه يمكن الحديث عنها مع السلطات المصرية، ولكن بعد تقدمها الملموس فى إنجاز مراحل خارطة طريق المستقبل التى يمكن فى واحدة منها أن يلحق بها الإخوان المسلمون، بعد إحداث تعديلات جوهرية على مطالبهم الأخيرة المعدلة بدورها.
أما بالنسبة للغالبية الساحقة من المصريين، فإن إجابة السؤال حول عما يريده الإخوان واضحة: هم يريدون إيقاف عجلة أى تطور يمكن أن تشهده البلاد فى عهدها الجديد، ويسعون عبر «استراتيجية العرقلة والفرملة» إلى تدمير خارطة طريق المستقبل والحيلولة دون تقدمها ووصولها إلى غاياتها المعلنة. المصريون يعرفون اليوم جيداً، عبر متابعتهم لمحاولات الإخوان وحلفائهم القليلين المتبقين للإيهام بأن المصريين يرفضون موجة 30 يونيو و3 يوليو الثورية من خلال المسيرات والمظاهرات المتفرقة، أن الإخوان باتوا يائسين من عودة عجلة التقدم والثورة إلى الوراء، وأنهم لا يملكون اليوم سوى التعطيل ومحاولات الترويع لعامة الناس وأطراف النخبة، لدفع المصريين إلى ساحة الصراع المجتمعى الكفيل، إذا ما بدأ، بالإطاحة بكل ما تحقق من مكاسب منذ ثورة 25 يناير 2011.
وإذا كان السؤال عما يريده الإخوان وحلفاؤهم القليلون مهماً، وبدت إجابته فى الداخل والخارج واضحة، فإن السؤال الأهم بكثير اليوم هو: ماذا نريد نحن غالبية المصريين الساحقة؟ والإجابة متعددة المستويات بحسب نوعية وموقع المجيب عن السؤال. فعموم المصريين من فقراء وأغنياء وطبقات وسطى يطمحون جميعاً اليوم إلى الاستقرار الأمنى والسياسى لبلادهم، بعد أن أعياهم القلق والفوضى والغياب الأمنى طوال سنوات قاربت على الثلاث. المصريون بمختلف فئاتهم يرون أن عودة الأمن مرهونة بعودة الدولة التى بقدر حرصها على هيبتها يجب أن تكون حريصة على تطبيق القانون والعمل ضمن الحفاظ على جميع حقوق الإنسان التى لا مجال للتنازل عن أى منها بعد اليوم. المصريون يرون اليوم أن عودة الدولة ومعها الأمن والاستقرار هى المقدمة الضرورية والحتمية لتحقيق آمالهم الأخرى فى مجالى السياسة والاقتصاد.
ففى مجال السياسة يطمح المصريون اليوم إلى الالتزام التام بخارطة الطريق، وفى مقدمتها إنجاز دستور توافقى يحظى بإجماع فئاتهم الاجتماعية وقواهم السياسية وأقلياتهم الدينية والعرقية، وهو دستور لا يريدون أن يكرروا فيه وعبره مأساة دستور الإخوان الذى قسم البلاد شيعاً ووضع المصريين فى مواجهة أنفسهم، فى صراع كاد أن يشق البلاد للمرة الأولى فى تاريخها الحديث إلى طوائف متناحرة متقاتلة. المصريون يريدون دستوراً لا مكان فيه لمنتصر أو مهزوم، ولا مواد فيه يصعب على عامتهم أن يجدوا فيها أنفسهم وهويتهم المركبة ومطالبهم المؤجلة منذ عقود طويلة من الزمان. الدستور الذى هو فاتحة الطريق إلى نظام ديمقراطى حر وشعبى، يرى المصريون اليوم أنه يجب أن يضع ملامح لنظام سياسى يتناسب مع أوضاع بلادهم الاجتماعية والسياسية، وألا يكون عاجزاً أو مستبداً، ويكون قادراً على إنجاز أهداف ثورتهم الثلاثة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
المصريون يريدون على الصعيد السياسى أن يتوجهوا فى المواعيد التى حددها الإعلان الدستورى إلى صناديق الانتخاب، لكى يختاروا أعضاء برلمانهم وبعدها رئيس جمهوريتهم، وقبل هذا بالطبع الاستفتاء على دستورهم الجديد. المصريون يريدون على هذا الصعيد نظاماً انتخابياً واضحاً وبسيطاً يمكنهم من حسن الاختيار لممثليهم البرلمانيين ولرئيسهم الجديد، بحيث يعبر كل منهم عن رغبته الحقيقية ويجد من يمثلها. والمصريون يريدون على نفس الصعيد وضوحاً وإخلاصاً من القوى السياسية والحزبية، وطرحا منها بصورة محددة ومفصلة لما يمكن أن تفعله للمصريين ولبلادهم حتى يستطيعوا الاختيار فيما بينها لمن يمثلهم فى البرلمان والرئاسة.
أما على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى، وهما الأكثر أهمية بالنسبة للغالبية الكبيرة من المصريين، فإن ثلثى شعار ثورتهم العظيم، أى العيش والعدالة الاجتماعية، لم يتحققا قط منذ نجاحها فى 11 فبراير 2011، بل زادت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية سوءاً يوماً بعد آخر. من هنا فإن عموم المصريين لن يصبروا كثيراً على تأجيل وتعطل تحقيق مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية، ولن يقبلوا بأى حال ألا يستجيب لها أى نظام سياسى بطريقة سريعة وحاسمة، وإلا سيكون الثمن هذه المرة فادحاً وسيقوم المصريون عندها بثورتهم الاجتماعية، التى يرى كثير من المحللين أنها مؤجلة وتنتظر موعدها منذ 25 يناير 2011.
إن أهمية معرفة ما يريده الإخوان اليوم لا شك فيها لتوقى البلاد شرور خططهم وتحركاتهم، إلا أن أهمية معرفة ما تريده الأغلبية الساحقة من المصريين تفوق هذا بمراحل كبيرة، من أجل الاستجابة لمطالبهم وآمالهم المشروعة التى دفعوا من أجلها أثماناً هائلة عبر سنوات طويلة ممتدة. إن معرفة ما يريده المصريون، ومن ثم تحقيقه، هو المدخل الوحيد لتحقيق الاستقرار وقيام الحكم الرشيد الذى يمكنه تحقيق مطالبهم وأهداف ثورتهم. إن المصريين يجب أن يكونوا اليوم بالنسبة للحكم الانتقالى، ولكل القوى الحزبية والسياسية والثورية، هم الهدف الوحيد والغاية التى يجب البحث دوماً عما يريدون، وليذهب ما يريده الإخوان إلى خلفية المشهد والتفكير، فالشعب هو صاحب الحق وهو القائد والمعلم.