الحياة تمضى فى مصر نحو العودة لطبيعتها، وتتخلص البلاد تدريجياً من تخوفاتها، وما يعوق تقدمها نحو تحقيق أهداف ثورتها العظيمة بموجتيها فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، فمباراة نهائى بطولة أندية أفريقيا بين الأهلى وأورلاندو الجنوب أفريقى أكدت أن المصريين، خاصة شبابهم، يريدون ويصرون على عودة مظاهر حياتهم الطبيعية إلى ما كانت عليه، ويرفضون محاولات الإخوان وحلفائهم لعرقلتها وشلها. وما كان التزاحم الشديد والاحتكاكات التى وقعت بين عشرات الألوف منهم ورجال الشرطة، صبيحة المباراة، أمام استاد المقاولين العرب سوى دليل واضح على أنهم يريدون تأكيد عودة الحياة لطبيعتها كرسالة لكل من يهمه الأمر، ولم يكن فقط تشجيعاً لفريقهم المفضل، بطل أفريقيا، النادى الأهلى.
وأتى بعد فوز الأهلى بالبطولة الأفريقية لثامن مرة بأيام قليلة، حدث رياضى آخر، وهو وصول كأس العالم إلى مصر، لعرضها أمام جماهير الكرة بها، ليؤكد نفس المعنى، وهو ما زاد عليه استقبال رئيس الجمهورية والوزراء المعنيين الكأس والوفد المرافق لها، ليرسل للعالم وللمصريين رسالة مزدوجة سياسية - رياضية بأن مصر تعود لحياتها الطبيعية. وفى نفس هذا التوقيت تقريباً، حل موعد نهاية حالة الطوارئ، فقررت الحكومة الالتزام به، دون تردد، ورفعت الطوارئ، وفى نفس الوقت، لم تصدر الرئاسة ولا الحكومة أى قوانين بديلة لقانون الطوارئ حتى الآن، بما فيها قانون تنظيم التظاهر، الذى لا يزال تحت الدراسة والنقاش، وهو ما أكد نفس الرسالة. وقبل يومين من رفع الطوارئ، سمح لوفد من محامى الإخوان بمقابلة رئيسهم المعزول فى محبسه، على الرغم من أنه لم يوكل أيا منهم، وعقدوا مؤتمراً صحفياً علنياً نقلوا فيه رسالة منه إلى الرأى العام، وهو ما أكد أيضاً نفس المعنى، وهو أنه لا خشية من أحد، وأن مرسى من حقه، حسبما أعلن رئيس الحكومة، الدكتور حازم الببلاوى، أن يعلن ما يشاء، ولن تمنعه الحكومة.
وقبل نهاية الأسبوع، وبالتحديد أمس الجمعة، رفعت إحدى أكبر مؤسسات التقييم الائتمانى فى العالم، ستاندرد آند بورز، تصنيف مصر الائتمانى على الديون طويلة وقصيرة الأجل بالعملات الأجنبية والمحلية إلى «سالب بى/ بى» مقابل «موجب سى سى سى/ سى». وتعد هذه هى المرة الأولى التى ترفع فيها إحدى مؤسسات التقييم العالمية الكبرى الثلاث درجة تقييم الاقتصاد المصرى، منذ بداية الإعلان عن تقييم ائتمانى سيادى لمصر فى التسعينيات. وكان قد جرى خفض التقييم للاقتصاد المصرى ست مرات متتالية، منذ ثورة يناير 2011، نتيجة التخوف من آثار الاضطرابات السياسية على استقرار الاقتصاد المصرى. وفى نفس اليوم، أمس الجمعة، وحتى كتابة هذه السطور، كان الإخوان المسلمون وحلفاؤهم يفشلون لمرة جديدة فى تعبئة حشود كبيرة، لمعارضة وتعطيل عودة مصر إلى حياتها الطبيعية، والأرجح أنه سيمر طبيعياً، مع احتكاكات هنا وأخرى هناك، كمرات فى أيام كثيرة قبله خلال الشهرين الأخيرين.
وبالترافق مع كل ذلك، تقدمت لجنة الخمسين بصورة ملحوظة فى إنجاز كتابة الدستور، وبدا واضحاً أنها ستنتهى من قراءته الأولى تماماً، فى منتصف الأسبوع الحالى، تمهيداً للتصويت العلنى النهائى عليه، فى بداية الأسبوع القادم، لتنجز بذلك الركن الأهم فى خارطة المستقبل التى أيدها المصريون، فى الثالث من يوليو الماضى. مصر تعود إلى طبيعتها، وهى تتحفز للانطلاق بسرعة إلى الأمام، لكى ينجز شعبها ما طال انتظاره له، منذ يناير 2011، أى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى ماضية إلى هذا، ولن يوقفها أحد عما هى مصرة عليه.