أفردت وسائل الإعلام الأجنبية مساحات واسعة على صدر صفحاتها الأولى للتعليق على الاستفتاء على الدستور، غير أن هذه التقارير لم تنظر بعين الحياد بل غضت الطرف كثيرا عن العرس الشعبي الذي رافق هذا الاستفتاء والاحتفالات الجماهيرية التي تخللته، وقامت فقط برصد وتفنيد عيوب ملتبسة وترويجها (لسان حال الإخوان) في الدستور ..
سلطت الأضواء على جوانب متهافتة تخدم جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولى الذين يدفعون لهم الملايين نظير إعلانات تخدم صحفهم وقنواتهم الفضائية، وقامت وسائل إعلامهم المغرضة بالبحث والتمحيص والتنقيب عن ثغرات أو اختراقات شابت الاستفتاء أو حتى تجاوزات تستحق الرصد، لكنها أخفقت، فما كان لها سوى الزج بأقلام مأجورة دست سمومها في سطور كتاباتها التحليلية عن المشهد التاريخي الذي صاحب الاستفتاء، خصوصًا في صحف الجارديان البريطانية والواشنطن بوست، نيويورك تايمز، ولوس أنجلوس تايمز، وول ستريت جورنال وغيرها.
قالت الصحف ما لم يقله مالك في الخمر وما أنزل الله به من سلطان في هذا الاستفتاء، ولم يكن هذا القول سوى دليل فشل وإفلاس وإمعان فى تزوير الحقيقة والتضليل، وهذه عينة من التدليس المفضوح.. المقاربة بين استفتاء عام 2005 الذى خرجت نتائجه بأكثر من 98% نعم، ومساواته باستفتاء 2014 وغض النظر عن الفارق الهائل بين الاثنين وظرفيهما، فشتان بين الثرى والثريا.. كما سلطت الأضواء على التسويق لهذا الدستور بنعم من جانب واحد أحادى الرأى والمؤيد لفئة بعينها متذرعة بكم الإعلانات والملصقات التى كانت تعم الشوارع والميادين وتقول "نعم للدستور"، متجاهلة حجم العنف الذى صاحب الدعوة للاستفتاء من قبل جماعة الإخوان وممارسة كافة أشكال الإرهاب لمنع المواطنين من الإدلاء بأصواتهم، فلم تأت على ذكر استيقاظ الناس على دوى تفجير محكمة فى إمبابة بالجيزة فى أول استهلال لبدء التصويت كنذير شؤم فجر الاستفتاء، ولم تأت على ذكر القتلى الذين سقطوا فى اليوم الأول نتيجة إطلاق الرصاص عليهم بالقرب من اللجان والاشتباكات المفتعلة مع الأهالى لترويعهم وعزوفهم عن استكمال التصويت، ولم تأت على ذكر التحايل على المواطنين البسطاء وإغرائهم بالمال وأخذ بطاقاتهم بحجة حصولهم على البطاطين والعطايا، كى يفقدوا القدرة على التصويت، ولم تأت على ذكر إغلاق بعض اللجان فى ناهيا وكرداسة وطرد المواطنين بالقوة ومنعهم من التصويت، ولم تأت على ذكر الوقوف بالمرصاد لكل من يقع حظه العاثر فى يد إخوانى إصبعه مغموسا بالحبر الفسفورى ليأخذ نصيبه من الضرب والركل وتكسير العظام عقابا على ما اقترفته يداه، ولم تأت على ذكر الإرهاب الذى مارسه الإخوان فى منطقة ناهيا حينما حظرت على سكانها الخروج بالقوة بعد الساعة الثامنة مساء وتهديدهم بالقتل إذا خالفوا، وقطعت عنهم الكهرباء عقابا لهم على تصويتهم على الدستور، ولم تأت على ذكر طرق الأبواب لتهديد الآمنين وترويعهم، حتى لا يقوموا بالتصويت فى الاستفتاء وإلا أصبحوا كفرة من أهل النار.
لم تأت على ذكر أى من تلك بل أفردت المقالات لتفنيد عيوب الدستور الكافر الذى صنعه الانقلابيون، فأخرجوا نصوصًا من سياقها مثل مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين، ما يعنى استمرار الحكم العسكرى الذى ثارت عليه الجماهير فى 25 يناير، وأسهبت فى أن "نعم" هذه جاءت من طرف واحد مؤيد بمعزل عن الإسلاميين، وبالتالى فقد شرف المنافسة ونزاهتها.
عجيب أمر هذا الغرب، ففى الوقت الذى يصدع رؤوسنا ويتعالى صياحه لتطبيق الديمقراطية وينادى بحرية الرأى والتعبير وعدم التصدى للحريات، خاصة عندما يتعلق الأمر بصناديق الاقتراع، نجده يناقض نفسه وتعمى بصيرته ويغض الطرف إذا ما كان هذا الأمر لا يخدم أهدافه ومصالحه وأطماعه الاستعمارية فى الشرق الوسط، لأنها ببساطة فشلت وانكشفت وافتضح أمرها.