التجول هذه الأيام في الطرقات المؤدية
إلى الجولان السوري المحتل وبلدات الشمال المحاذية للحدود الإسرائيلية –
اللبنانية، يدخلك إلى حال من القلق والتوتر وإلى شعور بأنك دخلت أجواء حرب
قريبة. فحافلات الجيش تواجهك في كل مكان. المساحات الشاسعة من الجولان
السوري مليئة بالمدرعات والآليات العسكرية وعشرات الجنود يتخذون من بعض
الآليات محطة استراحة. الطائرات الحربية والمروحيات تحوم فوق رأسك… أما
إذا وصلت إلى هذه المنطقة من طريق «كريات شمونة»، البلدة القريبة من
الحدود الشمالية، فالأمر يزداد رهبة، حيث الآليات العسكرية تحتل الطرق، ما
يجعل سؤالك أكثر إلحاحاً… ما الذي يجري؟ وتزداد رغبتك أكثر في معرفة ما
يجري عندما تطأ قدماك مستوطنة «فريديم» القريبة من الحدود مع لبنان.
فهناك تقول ومن دون تردد «الحرب ستبدأ
الآن»، وهذا ما يشعر به سكان هذه المستوطنة. لكن، إذا كنت قد اطلعت على
خلفية ما يحدث في الجولان وحاولت تفسير سبب الانتشار الواسع للجيش وآلياته
العسكرية وتصريحات وتهديدات واستعراض عضلات الإسرائيليين، فلن تتردد في
الاستنتاج إنها ليست حرباً، بل هي استعراض عضلات يرمي إلى حملة تخويف
وترهيب جديدة، تدخل الناس في هستيريا، ويسميها الجيش «تدريبات».
وهذه التدريبات ليست الأولى. ففي كل
أسبوع يجرون تدريبات جديدة، ضخمة، يتم فيها تفعيل قوات الجيش ودعوة
الاحتياط. من هنا، ينبع الهلع. وفي صفوف سكان مستوطنة «فريديم» تحول الهلع
إلى هستيريا، فخرج الناس يصرخون.
وصلت ذروة الهستيريا الإسرائيلية عندما
نشرت مدرعات وحافلات عسكرية في مناطق قريبة من الأراضي الزراعية، بما
يضمن أن تكون بعيدة من عيون المارة، لكنها قريبة جداً من بيوت مستوطنة
«فريديم» وبلدات شمالية أخرى. ويزداد الطين بلة عندما تعلن وسائل إعلام
إسرائيلية أن الجيش ألغى عطل الجنود في الأعياد العبرية، التي صادفت
وتصادف هذه الأيام. ثم يعلن الجيش في اليوم الأول بعد عطلة رأس السنة
العبرية، أنه أجرى في الجولان السوري المحتل تدريبات عسكرية واسعة تحاكي
مواجهات حربية مع سورية. وبأنها تميزت عن سابقاتها من التدريبات بمشاركة
أعداد كبيرة من جنود الاحتياط إلى جانب الجيش النظامي وسلاح الجو إلى جانب
سلاح المدرعات والمدفعية وقيادة المنطقة الوسطى إلى جانب منطقة الشمال.
وتدربت قوات الأسلحة المختلفة على كيفية التنسيق وتنفيذ المهمات كما شملت
التدريبات نقل قوات عسكرية إلى هضبة الجولان بواسطة المروحيات.
سورية خطر كبير
الأجواء التي تثيرها الاستعدادات
الإسرائيلية وترافقها تصريحات وتهديدات قياديين سياسيين وعسكريين، تدخل
السكان يوماً بعد يوم إلى أجواء خوف من حرب قريبة، إلا أن مجموعة عقلانية
من سياسيين وأمنيين وعسكريين سابقين، يحاولون التخفيف من روع السكان عبر
الهجوم على سياسة القيادة وتصريحاتها وتهديداتها.
ففي إسرائيل لا يختلف اثنان على أن أكثر الاحتمالات لوقوع حرب خلال الفترة القريبة ستنطلق من سورية، في حال تدهور خطير وسريع
يهدد الحدود بين سورية وإسرائيل ومن ثم يشعل المنطقة. أما التوقع بأن
تكون الضربة على إيران السبب الأكبر لاشتعال المنطقة، فهو احتمال يستبعد
كثيرون حدوثه قبل الانتخابات الأميركية، أو حتى نهاية السنة الحالية، ولكن
في الحالين الوضع غير مطمئن ومن يسأل ما إذا كانت ستقع حرب فسيجد نفسه
عاجزاً عن الرد.
وسائل الإعلام الإسرائيلية تطرح
المسألة على أنها استعدادات ضرورية ومهمة وعبر من حرب تموز (يوليو) 2006.
وهناك من بينهم من لا يتردد ببث صور لآليات عسكرية وانتشار جنود في الشمال
والجولان كاستعدادات أمنية ضرورية، حتى إن مراسل القناة العاشرة في
التلفزيون الإسرائيلي تحدث عن استعدادات لحرب لبنان ثالثة، على رغم تأكيده
أن جميع الأطراف غير معنية بالحرب، لكن هـذه الحــرب قد تقــع بســرعة
كبيرة. واعتبر أبــرز أسباب إشعالها توجيه ضربة لإيران أو قــصف حافــلات
تنقـــل أسلحة من سورية إلى لبنان. ولم يسقط من توقعات جيشه قيام حزب الله
بعملية ضد أهداف إسرائيلية، تؤدي إلى إشعال المنطقة.
نائب رئيس أركان الجيش، يائير نافيه،
كان الأكثر وضوحاً في حديثه. بل جاء حديثه مفاجئاً للجميع حيث توقع أن
تتدهور أوضاع المنطقة خلال فترة قريبة، بسبب التدهور في سورية، وأن هذا
التدهور قد يقود إلى حرب إقليمية شاملة. حديثه هذا مرتبط بالاستعدادات
التي يجريها الجيش في الشمال. السيناريو الذي يتوقعه نافيه هو أن يؤدي
غياب الرئيس السوري بشار الأسد إلى حدوث فراغ تملأه تنظيمات متطرفة من «القاعدة» و«الجهاد العالمي»، تتمركز في مناطق قريبة من إسرائيل وتشن حربها من هناك. وفي هذا السياق يرسم الإسرائيليون وضعاً لا يقل خطورة في حال سقوط
الأسد. بحيث تبدأ عملية تهريب أسلحة كيماوية ومتطورة من سورية إلى حزب
الله في لبنان، وهذا السيناريو يقلق الإسرائيليين ويجعلهم في حال استعداد
وتأهب على مدار الساعة.
وتحت حراسة مكثفة من قبل قوات مدرعة
وبالتنسيق مع عناصر الأمم المتحدة، يواصل الإسرائيليون العمل على إقامة
طريق يساعد دوريات الجيش في أي عملية عبر الحدود أو الرد على محاولات تسلل
واعتداءات، كما يشمل العمل حفر قنوات تعيق عبور سوريين في حال تدهور
الأوضاع في سورية وهربهم نحو الحدود مع إسرائيل.
وفي سياق هذه الاستعدادات استبدل
الجيش حوالى 8 كيلومترات من السياج الحدودي القديم، بالقرب من القنيطرة
وتلة الصيحات بسياج أكثر تحصيناً ومزود أجهزة رقابة وإنذار متطورة، بما
يضمن للجيش «تحسين الرد العملاني»، على حد تعبير مسؤول عسكري في قيادة
الشمال في الجيش الإسرائيلي.
لكن الخطة تفضي إلى تعزيز السياج على طول هذه الحدود في القريب.
حرب ثالثة
قائد وحدة الجليل، هرتسي هليفي، لم
يأخذ في الحسبان التحذيرات التي أطلقتها جهات، ترى أن سياسة التهديد
والحرب مدمرة لإسرائيل والمنطقة، فاستغل التدريبات في الشمال ليطلق حملة
تهديد مباشرة ضد حزب الله وراح يتحدث عن حرب ثالثة مع لبنان، على رغم أن
معظم التدريبات تجرى في الجولان وأي سيناريو حرب تضعه إسرائيل يشمل أولاً تبعات سقوط
الأسد. فبالنسبة لهرتسي هليفي حزب الله ولبنان خطر حقيقي وكبير على
إسرائيل. وقد استهل تهديده بالقول إن الحرب المقبلة لن تكون مجرد قصف
مناطق لبنانية خلال يومين أو ثلاثة أو حتى ثمانية أيام . فهذه الحرب، أضاف
هليفي: «ستكون مختلفة. ففي حرب لبنان الثانية دخلت أربعة ألوية عسكرية
إلى لبنان بعمق أربعة كيلومترات، أما في الحرب التي نتدرب عليها فستكون
هناك حاجة إلى دخول أكثر عمقاً وأسرع وقتاً. الوحدات العسكرية ستدخل إلى
العمق اللبناني بقوة كبيرة، وفي هذا الجانب لا نستطيع الحديث بالتفاصيل
الآن، ولكن بتدريباتنا واستعداداتنا نعمل لإخضاع العدو في كل مكان نصله».
وأضاف: «لن نلاحق خلية تطلق صواريخ ونقصف المنطقة التي تطلق منها… هذه
المرة لن نلاحق أو ندعو إلى الخروج من المكان… لأننا سنهدم كل مكان ومنطقة
يطلق منها صاروخ باتجاه إسرائيل».
لماذا تدمير المنطقة كلها؟
بالنسبة الى الإسرائيليين فإن
الترسانة الصاروخية التي يمتلكها «حزب الله»، أصبحت اليوم مختلفة، كماً
ونوعاً وقدرة ودقة. والتقارير الإسرائيلية تتحدث عن أربعين ألف صاروخ
وتقارير أخرى تقول إن العدد وصل إلى ستين ألفاً وآخر تقرير تحدث عن حيازة
حزب الله سبعين ألف صاروخ، الآلاف منها متطورة وأكثر دقة وقادرة على
الوصول إلى كل منطقة في إسرائيل.
هليفي الذي كان يتحدث عن هذه
الصواريخ، يصعد تهديده بالقول: «القرية اللبنانية التي سيطلق منها صاوخ
باتجاه منطقة «مفراتس» في حيفا (منطقة المصانع الكيماوية) ستعالج كما يجب.
وعلاجها يعني أننا لن نرسل باتجاه منطقة إطلاق الصاروخ عشرة جنود يركضون
لمواجهة من يطلقه ويقرعون الأبواب ويبحثون عن مطلقي الصواريخ. هذه المرة
سيكون الرد بقوة هائلة». ثم ينتقل هليفي بتهديده إلى الأمين العام لحزب
الله، حسن نصرالله، فيقول: «نصرالله يستعد جيداً لهذه الحرب لأنه يدرك
تماماً أنها ستجلب الخراب على لبنان. يدرك أن الرد سيكون بقوة هائلة لم
يسبق أن استخدمت. ولهذا، يتابع هليفي، ولأن حسن نصرالله يعرف ما ستجلبه
الحرب من خراب على لبنان يستعد لإطلاق صاروخ على تل أبيب مقابل كل صاروخ
يطلق باتجاه بيروت».
ويخلص هليفي إلى أن خطة جيشه لحرب
لبنان الثالثة، بالقول: «لن ننتظر حتى نواجه آخر صاروخ يطلقه حزب الله،
لأننا وفق خطتنا كلما تقدمنا بسرعة وبقوة إلى العمق اللبناني قضينا على
الطرف الآخر. نخطط لأن نضرب حزب الله ضربة قاسية ونريد أن يكون الوضع في
الحرب المقبلة مختلفاً. نريد أن نخوض الحرب منذ اليوم الأول من دون شكوك
مما نريد تحقيقه في الحرب. نريد أن نخوض هذه الحرب ونعلن بكل وضوح إلى أين
وصلنا. كم أصبنا وكم من الوقت نحتاج لتحقيق الهدف».
أمام هذه التهديدات والتصريحات يبقى السؤال ما إذا كانت إسرائيل متجهة نحو حرب فعلية… أم إنها تواصل حملة استعراض عضلاتها بالترويج لقدراتها العسكرية لتشكل قوة ردع للطرف الآخر؟
مقال مترجم من العبرية الى العربية