مع اقتراب موعد الدعوة الرسمية من جانب الرئيس المصرى عدلى منصور للاستفتاء على الدستور الذى انتهت لجنة الخمسين من إعداد مشروعه، تزداد تحركات جماعة الإخوان فى اتجاه الحشد للتصويت عليه بالرفض، باعتبارها ترى فى الدستور معركة بالغة الخطورة نحو خطة هدم الدولة التى تبتغيها وتسير فى اتجاهها الجماعة المسلحة، والإبقاء على ما تراه ويراه معها أنصارها، الدستور الشرعى الذى أعدته جماعة المصالح الإخوانية، وتتعامل جماعة الإخوان مع مشروع الدستور الجديد على أنه قضية بقاء أو فناء لها على الساحة السياسية المصرية، فإنه أن لم ينه تواجدها فهو على الأقل سيعمل على تآكلها إلى الدرجة التى لا تجعلها قادرة على أى مواجهة سياسية فيما بعد، ولذلك فإنها تتعامل معه متبعة نفس الآليات التى لجأت إليها لتمرير دستور 2012 الذى حشدت ودفعت الثمين والنفيس من أجل تمريره، وباركه المخلوع محمد مرسى.
ومن بين تلك الآليات التى لجأت إليها الجماعة شعار الدين، الذى هو بالأساس براء منها ومن سلوكياتها، واعتبرت فى تصريحات لقياداتها وأنصارها أن من يصوت على الدستور بـ"نعم" فهو يبيع دينه"، فضلاً عن عمليات الحشد التى تمارسها الجماعة وأنصارها والتى بدأت مبكرًا فى الأقاليم والأماكن الفقيرة، مستغلين ذات الأساليب المادية فى الإغراء والإغواء للمحتاجين والمعوذين، معتقدة بذلك أنها سوف تنجح بنفس الآليات التى كشف الشعب عن زيفها.
لجأت أيضًا الجماعة ضمن خطة إسقاط الدستور، للتحالف الخفى مع بعض الحركات التى قدمت نفسها، زورًا وبهتانًا، على أنها ثورية وتهدف إلى تحقيق الديمقراطية، للتظاهر وكسر هيبة الدولة مستغلة ذريعة قانون التظاهر، الذى خرجت وما زالت تخرج الجماعة فى أعمال تخريبية باسم الرغبة فى إسقاطه، متخفية ومندسة فى صفوف تلك الحركات، التى افتضح أمرها هى الأخرى ليكشف الواقع أنها تخدم الجماعة وأنصارها، وتسير معها فى نفس طريق إسقاط الدولة وتعطيل مسيرة الحياة فيها.
غير أن محاولات أخرى بدت فى الأفق من جانب آخر يمثله أعضاء بالخمسين ووزراء بالحكومة وقادة بالأحزاب التى تسير فى ركابها، تدعو جميعها إلى التصويت بالموافقة على مشروع الدستور، رافعة هى الأخرى شعارات لا تقل عن تلك التى كان يرفعها أنصار الجماعة والمطبلون والمزمرون لها أثناء حكم المعزول مرسى، وتحول الدستور المنتظر الاستفتاء عليه إلى معركة، وأخرى مضادة بين الجماعة والتى تسعى لإبطاله من ناحية، وبين الحكومة ومن يسير على دربها من الأحزاب من ناحية أخرى، وذلك نظرًا لما يشكله هذا الدستور من بناء جديد للدولة، يمحو به أبناء بلادى مصر حال الموافقة عليه كل ما أعدته جماعة الإخوان للسيطرة على مفاصل الدولة.
وبنظرة تحليلية لما سبق، يتضح أن الموافقة على مشروع الدستور هى النتيجة المتوقعة للاستفتاء على مشروع الدستور، ليس لقوة الجبهة التى تدعو إلى الموافقة عليه، وإنما لقوة أبناء بلادى مصر على فهم الواقع السياسى وأسباب التغيرات التى لحقت به والتى من بينها، فقدان الشعب الثقة فى الجماعة، ومن ثم فشل قدرتها على الحشد، وكذلك إيمان أغلبية المصريين بأن الدستور الذى أعدته الجماعة، كانت يهدف إلى تحقيق مصالحها، والتحكم فى كل أركان الدولة، بدءًا من القضاء والشرطة والجيش والإعلام، فضلاً عن رغبة المصريين فى الاستقرار الذى بدأت أولى خطواته مع الحملات الأمنية والعسكرية، التى تقوم بها الدولة ضد المجرمين والمخربين، وهذه الأسباب، وهى جزء من كل، كفيلة بأن تكون الموافقة على الدستور، رغم ما به من عيوب، هى الخيار الأعم والأشمل بين الشعب المصرى، الذى يتوق إلى الاستقرار، وإعادة بناء ما خربته جماعة الإخوان، لتكون الموافقة بمثابة رفض جديد لنهج الجماعة المسلحة التى تسعى – وقد خاب مسعاها – لهدم الدولة.
محسن سالم صحفى حر وناشط