شاهدت منذ أيام إحدى حلقات برنامج «السادة المحترمون» الذى يقدمه الإعلامى الواعد يوسف الحسينى وكانت لقاءً مُطولاً مع رجل الأعمال النابه والناجح المهندس أحمد بهجت.. استعرض الرجل بجرأة وشجاعة ما تعرض له من مؤامرات ومحاولات للإذلال وكسر الأنف طوال ما يقرب من عشر سنوات فى أواخر حكم الديكتاتور المخلوع مبارك، وفترة سيطرة وتحكم نجله الذى كان يعد نفسه لوراثة عرش أبيه، فأحاط نفسه بجوقة من الخدم والطبالين الحالمين بالمناصب والمكاسب. أكدت الصورة التى قدمها رجل الأعمال المحترم أن ما كنا نعيش فى ظله طوال فترة حكم مبارك وبالذات فى السنين العشر الأخيرة، لاعلاقة له بلفظ الدولة بمعناها الحديث، وإنما كنا نعيش بالقهر والاستعباد تحت حكم عصابة مافيا مجرمة لا تتورع عن فعل أى شىء، فلا نظام يحكمها ولا قانون يردعها. من هنا كانت قيمة ثورة 25 يناير العظيمة التى توجت جهود نخبة من السياسيين والإعلاميين الوطنين الشرفاء والشباب الشجعان على مدى عدة سنوات قُبيل هذا اليوم العظيم. صحيح أن عصابة أخرى لا تقل تنظيماً ولا إجراماً عن عصابة مبارك بل ربما فاقتها قد حاولت أن تركب الثورة وتحاول إجهاض حلمها فى إقامة حكم ديمقراطى حر يحقق العيش الكريم والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، مستعينة على ذلك بتاريخ طويل من التآمر والقدرة على تسويق الأكاذيب والخداع واستغلال المشاعر الدينية العميقة لدى غالبية الشعب المصرى وبمعاونة تنظيمات دولية وقوى إقليمية لها مطامعها وأحقادها، فاستطاعت أن تستولى على السلطة لصالح الجماعات المتطرفة، وبدا للجميع أنه تم اختطاف ثورة الشعب المصرى العظيمة التى انبهر بها العالم بواسطة تلك الحفنة من أدعياء الدين وتجاره. استمر كفاح الوطنيين الشرفاء الذين أسقطوا حكم مبارك، واستمر نضالهم ومواجهاتهم مع من سرقوا الثروة والفرحة، وتحملوا فى سبيل ذلك الكثير من التضحيات، واستمر مسلسل إبداع شبابهم فنشأت حركة تمرد من بينهم، ونجحوا فى حشد جموع الشعب العريق فى موجة ثورية ثانية فى 30 يونيو أطاحت بالنظام الذى سرق الثورة واستردوا حلمهم فى تحقيق الأهداف العظيمة التى ثاروا من أجلها فى يناير، وكان الجيش الوطنى العظيم هو الدرع والسيف فى مواجهة تلك العصابة المتآمرة وحلفائها من الجماعات الإرهابية، وفى مواجهة مؤامرة دولية كانت تُحاك بليل ضد صحوة الشعب المصرى التى يهابها الجميع. مر على الحدث العظيم أكثر من أربعة شهور نجحت فيها القوى الوطنية الثورية من فرض خريطة الطريق التى ارتضوها وبدا أنهم فى طريق الاسترداد الكامل لثورتهم، وتشكلت وزارة دخل فيها لأول مرة رموز تنتمى عملياً وفكرياً لثورة يناير ومبادئها، ولكن للأسف الشديد فإن المتابع لما يجرى على الساحة السياسية والإعلامية هذه الأيام يستطيع أن يرصد إرهاصات وضع شبيه بما حدث عقب الثورة..فها هم بقايا فلول نظام مبارك وعلى رأسهم من عملوا كخدم لابنه وجوقة الطبالين والزمارين الذين كانوا يحيطون به، ينبرون الآن بخبث شديد فى وسائل الإعلام المختلفه فيهرتلون بكلمات لا تهدف فى حقيقتها إلا إلى تشويه ثورة 25 يناير الشعبية العظيمة، مستغلين حالة الكره الشديد لجماعة الإخوان والتى لم يكن لها أى دور أو فضل فى اندلاع تلك الثورة، وانحصر دورها التآمرى فى التخطيط والإعداد لركوبها..تماماً كما يحاول فلول وخدم مبارك عمله الآن لركوب موجة 30 يونيو الثورية وافتعال تناقضات مع ثورة يناير من أجل تشويهها والانتقام منها، بكونها هى التى حطمت أحلامهم ومطامعهم. يبلغ الحقد والغل مداه بأن يصف أحدهم يوم 30 يونيو بأنه الثورة الحقيقية للشعب المصرى لتصحيح خطيئة أو نكسة 25 يناير كما يسميها بعض السفهاء منهم! المثير للأسى والعجب هو محاولتهم إقحام اسم الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى لعبتهم القذرة، ومحاولة إظهار التأييد له باعتباره بطل «ثورة 30 يونيو» التى لا علاقة لها بثورة يناير، فى حين أن الرجل كان يشغل أحد أهم المناصب فى المجلس العسكرى الذى اتفق على تنحية مبارك وعصابته استجابة للإرادة الشعبية. إن ما نقرأه ونشاهده هذه الأيام من هجوم غير متزن ولا موضوعى على الحكومة الحالية هو فى جزء كبير منه محاولات دنيئة لبعض من الخدم الذين راهنوا على جمال مبارك، فهم يتحدثون عن وزراء هذه الفترة التعيسة وكأنها كانت أيام الحق والعدل والكفاءة، فنجد مثلا أحدهم يكتب فى عموده اليومى بالأهرام مُشيداً بوزير فى الحكومة التى أسقطتها الثورة وهو لم يكن أكثر من خادم مطيع لجمال مبارك، وبعدها بأيام يكيل السباب والبذاءات فى حق وزير حالى وطنى وشجاع لا لشىء إلا لأنه كان أحد أقطاب إحدى الحركات الثورية التى مهدت ليوم 25 يناير الخالد! على الجميع أن ينتبه لفحيح هؤلاء الأفاعى الذين خرج الكثير منهم من جحورهم هذه الأيام، يمارسون نفس الأساليب الرخيصة فيهاجمون أعضاء حكومة الثورة ويمجدون وينافقون الفريق السيسى.. إنهم – تماماً كجماعة الإخوان – يعيشون فى وهم لا يعشش إلا فى العقول المريضة وهو أنه يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتأبى نفوسهم المريضة أن تعترف بأن ثورة 25 يناير قد غيرت الشعب المصرى إلى الأبد.