دعنا نسأل أنفسنا غير عابئين بإجابة ولا باحثين عن حل ..فقط نرسل أسئلة فى الهواء كنوع من الترويح عن النفس قبل أن يصيبها مس من جنون أو قنوط من يوم تتبدل فيه الأحوال.
قل لى بربك ما الذى يدفع طفلا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره إلى التحرش بفتاة لا تكبره بكثير مستخدما مع زملائه أحط أساليب هتك الأعراض التى لا يفوقها إلا الاغتصاب نفسه فى وضح النهار والدنيا من حوله تغص بالبشر؟
هل أصبح تحرش «الأطفال» تسلية تقليدية فى كل عيد لاسيما مع ذعر الفتيات وصراخهن الذى يضيع هباء ولا يلتفت إليه؟ إثبات مبكر للرجولة بمعناها البدائى، على غرار التدخين المبكر الذى أصبح اليوم تعاطيا «مبكر» للمخدرات وعراكا «مبكر» بالسلاح الأبيض وامتهانا «مبكر» للبلطجة؟
نفس الجرائد ومواقع الأخبار التى ترصد بالفيديو ــ شوف الدقة يا أخى وتحرى المهنية ــ تفاصيل جريمة المتحرش الصغير، وتفاصيل جرائم البلطجة وتمزيق الأجساد، بل وتنقل رقص الأطفال بالمطاوى على كوبرى قصر النيل والشمس فى منتصف السماء، هى هى نفس المواقع التى تحتفى بأبطال أفلام التحرش والبلطجة واتجار المخدرات، وتقدمهم لنفس الأطفال ولعائلاتهم وللمجتمع بأسره رموزا ونجوما تفرد لهم مساحات هائلة يملأون فيها الدنيا صخبا بمنتهى الفخر والاعتزاز عن كفاح مرير أوصلهم لما هم فيه من تصدر بل احتكار مشهد الابتذال فى مصر بلا منازع!
أتخيل كلمة «الصفاقة» مع كل مشتقاتها وقد أسقط فى يدها ثم توارت خجلا من كل المعاجم وبطون الكتب العربية بعدما أعجزتها صفاقتنا نحن، وألجمها تناقضنا وكذبنا على أنفسنا...كل عام تتصاعد صيحات الناصحين محذرة من مشاهد التحرش والتحريض على الرذيلة التى تقتحم البيوت بغير استئذان معلنة عن أفلام تهبط بالفطرة والأخلاق وكل معانى الإنسانية عند الأطفال إلى الدرك الأسفل من الانحطاط.. ثم لا شىء.. تزداد مع كل عام نفس نوعية الأفلام وتتضاعف مساحات الابتذال والتردى الأخلاقى، بل وتتحول إلى تحريض مباشر على التقليد والمحاكاة.
«فى الظروف الطبيعية تلح الطبيعة البشرية على صاحبها أن يبرر لنفسه أى جرم تقترفه يداه...مسألة شعورية أحيانا ولا شعورية فى أغلب الوقت، قديمة بقدم الإنسان نفسه (فسولت له نفسه قتل أخيه فقتله)، وسواء فى ذلك أكان المبرر قويا أم واهيا، ولذا فلا يمكننى أن لا أعرج على خطورة المشاهد الجنسية ومشاهد التحرش التى تعج بها كثير من الأفلام والمسلسلات، إذ أنها المسؤولة بشكل مباشر عن تبرير المتحرش لنفسه ارتكاب هذا الجرم حينما تصور له المرأة سلعة رخيصة لن ترد يد لامس أو متعرض لها بسوء، وهذا هو ما استنكره «ارنست فيشر» Ernst Fischer فى كتابه» ضرورة الفن» وحمل فيه بشدة على الفن الهابط غير السوى الذى يجعل المرأة مجرد أداة لإثارة الشهوات، وإشباع الرغبات ويعطى عنها صورة نمطية فى غاية السوء تجعلها مجرد سلعة تستهلك.
وقد استوقفنى كثيرا أثناء متابعتى يوما لحلقة برنامج بتوقيت القاهرة التى خصصها المرازى للحديث عن التحرش تفسير د. عزة كريم، مدير مركز حقوق المرأة، للنسبة المرتفعة من رجال (62٪) اعترفوا بالتحرش الجنسى مرة على الأقل أسبوعيا، حين أرجعت ذلك لمشاهدتهم الأفلام الجنسية ومشاهد الإغراء فى المسلسلات الدرامية.
ونفس الأمر كان الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى قد أكد عليه من قبل حينما اتهم صراحة العرى والمشاهد الجنسية التى تحاصر الشباب على شاشات الفضائيات بأنها الدافع الرئيسى وراء هذا الانحراف السلوكى»..كلام فارغ كنت قد كتبته منذ عام وأكثر... لا تشغل نفسك به ...كل عام وأنتم طيبون!