يسيطر على الجميع فى الوقت الراهن ما يمكن أن نطلق عليه الهاجس الإخوانى وبشكل تحليلى يؤصل لمعنى الرؤية الكاشفة والفارقة والناقدة نحاول تفكيك الموقف المختزل فى الهاجس الإخوانى والتعرف على الأسباب الداعية لكل فريق تمكن منه هذا الهاجس؛ من الشباب أو القوى المدنية أو القوى القومية والناصرية وكذلك القوى المجتمعية والشعبية بالإضافة للقوى الأمنية.
لا تنفك قطاعات واسعة من الشباب تتوقف عند موقف الإخوان من أحداث محمد محمود عندما شعروا بوقوفهم بمفردهم أمام بطش الدولة البوليسية، بل ويرى الشباب أن الإخوان لم يكتفوا بذلك ولكن استبدلوا صندوق الشهداء بصندوق الانتخابات البرلمانية فى ذلك الوقت، ورغم ان قطاعات من الشباب غفرت للإخوان هذا الأمر وشارك بعضهم فى اجتماع القوى السياسية المستقلة «بفندق فيرمونت» وأيدوا مرشح الإخوان فى مواجهة مرشح الثورة المضادة، إلا أن الإخوان وبعد وصولهم للسلطة تنكروا لهذا الاتفاق، ومن ثم فإن الشباب يرون أن جماعة الإخوان المسلمين تلعب بمفردها ولا تتورع عن الانضمام إلى طرف السلطة فى أى وقت يشعرون بأن ذلك فى مصلحة جماعتهم الخاصة.
لا يذهب حزب النور بعيدا بالنسبة للهاجس الإخوانى حيث يعتقد الحزب أن سقوط الإخوان يعنى أنه سيحتل المساحات التى كان يحتلها الإخوان، فهو التالى للإخوان فى نسبة المقاعد فى الانتخابات البرلمانية، الفراغ الإخوانى لا بد أن يُملأ، كما يمكنهم كذلك من تفادى ما يحدث للإخوان من ضربات فى سياق علاقته بالمنظومة الأمنية والمنظومة العسكرية، أى سعيهم لتجنب مصير الإخوان فى الحياة السياسية المصرية.
أما الهاجس الإخوانى لدى القوى المسماة بالمدنية التى ترى أن جماعة الإخوان المسلمين يكسبون الانتخابات؛ فإن لسان حالهم (خطابهم) يقول: «نحن لا نستطيع أن نكسبهم فى الانتخابات، فلنقضِ على الإخوان حتى يخلو لنا الطريق إلى الصناديق!.. والانقلاب العسكرى خير من يفعل ذلك.
ويأتى الهاجس الإخوانى لدى التيار القومى والناصرى (التار البايت)؛ حيث يستدعى التاريخ وما حدث فى العام 1954 واستعادة صورة عبد الناصر وأساليبه، ويستدعى كل طرف هذه الصورة السلبية لدى الإخوان والإيجابية لدى القوميين والناصريين.
كما ساهم الإعلام فى صناعة هاجس إخوانى لدى المجتمع يتمثل فى صناعة الصورة التى تتعلق بشيطنة فصيل معين (الإخوان) واتهامه بالعنف والإرهاب بل والخيانة بالعمالة وتقسيم مصر وبيع ثرواتها، فإن ذلك لا يعنى فقط خلق ما يمكن تسميته بالإخوانوفوبيا، ولكن صناعة تتعلق بالشيطنة التى تقوم ليس فقط على صناعة الخوف بل صناعة الكراهية التى تشكل بيئة الممارسة السياسية التى تتعلق بالفشل والإفشال كحالة نموذجية تم استغلالها فى هذا المقام.
ويتبع هذا الهاجس المجتمعى والإعلامى الهاجس الشعبى الذى يتمثل فى شيء عجيب قد ينكره الليبراليون والناصريون والقوميون واليساريون، حيث الاتهامات الجاهزة للإخوان بأنهم يتلاعبون بهذا الشعب.. تارة بأميتهم وتارة بفقرهم وتارة بدينهم!!؛ ربما هذه الاتهامات قد لاقت رواجاً إلا أن لسان حال بعض الناس يتحدث الآن عن ماذا بعد أن اختفى الإخوان من المشهد الذى يتعلق بتلبية احتياجات الناس الخيرية والعينية والصحية.
ويأتى أخيرا الهاجس الإخوانى لدى العسكر باعتبارهم انتصروا فى كل المعارك الانتخابية التى أدارها العسكر أنفسهم: من استفتاء مارس إلى الجولة الثانية فى انتخابات الرئاسة، مما يخلق معضلة حقيقية لدى العسكر فى أن هذه الجماعة لا يمكن هزيمتها إلا عبر ما تم فى الثلاثين من يونيو واستغلال وسائل الإعلام المختلفة لوصف هذا الأسلوب بالديمقراطى على غير الحقيقة.
●●●
من هنا يمكننا تفكيك مشهد الهاجس الإخوانى من خلال إعادة قراءته وفهمه بصورة مرتبطة بما يمكن تسميته (دور الرؤى فى صناعة المواقف)؛ وهو ما يتضح فى التالي:
● فالمدنيون، الذين يدعون كذلك، همهم الأساسى منع الإخوان من ممارسة السياسة وتفريغ المشهد لصالحهم دون منافسة انتخابية!! فالأمر اذاً يتطلب حملة استئصال سياسى تعود بالإخوان إلى مرحلة (المحظورة) وربما (المستأصلة)!
● أما العسكر، فقد عزَّ عليهم ترك السلطة بعد ستين عاما لسلطة منتخبة، فاستغلوا حركة الجماهير من أجل تصفية هؤلاء الذين راودهم حلم السلطة.
● مواقف معظم القوى الشبابية بعد الانقلاب متخوفة من القادم رغم عدم نسيانها للهاجس الإخواني؛ فالشباب غضبوا من تجاهل الإخوان لهم فى محمد محمود، لكنهم لا يتحلون بالفاشية، فمعركتهم مع الإخوان معركة خلاف سياسى لا استئصالى.. لذا تجد كثيرا منهم يندد بالمجازر التى تحدث لهم، وهم أنفسهم يتعرضون لمضايقات أمنية وإعلامية بسبب عدم تبنيهم الموقف الاستئصالي!.
● أيضاً موقف حزب النور متأثرا بطموحه السياسى، فصمته وأحياناً مسايرته للسلطة الانقلابية يؤكد ذلك رغبة منه فى احتلال المساحة الإخوانية، لذلك لا تجد موقف الحزب استئصاليا بقدر كونه موقف المتفرج المنتهز للفرصة حتى ينفض السامر ويحقق طموحه!
● أما القوميون والناصريون، فتطابق الرؤى والمواقف مرتبط أساساً بذاكرتهم مع الإخوان خصوصاً والإسلاميين عموماً، هم يستدعون التاريخ كما كان.. بانقلابه، بدمائه، بظلمه، باعتقالاته.. فالطموح الاستئصالى هنا له جذور تاريخية تحملها ذاكرة مسكونة باستعادة التاريخ!
● كذلك المجتمع الذى انفض فى بادئ الأمر عن الإخوان بسبب الأداء المترهل للسلطة الحاكمة، والدفاع على استحياء عما تعرض له الإخوان، لكنهم سرعان ما استعادوا ذاكرة المحضن الشعبى.. فى ثورة 25 يناير ليؤكد قيمة وحدة الهدف والمطالبات ومواجهة الدولة العسكرية والبوليسية الفاشية.
●●●
يمكن القول بأن عقدة الهاجس الإخوانى قد صبغت المجتمع حتى إن كل من يريد اتخاذ موقف ضد الانقلاب صار يصدر كلامه بالاعتذار من خلال جملة (أنا مش إخوان)! وكأنها بوابة المرور نحو اعلان رأى دون خسارة أو تكلفة مبدأ أو ضريبة موقف! وكأنهم كم مهمل لا يستحق الدفاع عنه وعن حقوقه، أبسط حقوقه حقه فى عدم حرمانه من الحياة! الإخوان أخطأوا سياسياً، لكنى لم أجد فصيلاً سياسياً عُصم من الخطأ!
إن الدفاع عن القيم والمبادئ لا يحتاج منا إلى اعتذار يا سادة.. هؤلاء مواطنون سندافع عنهم، كما دافعنا عن غيرهم، دون تقديم اعتذار يجردهم ضمنياً من مواطنتهم ومن حقوقهم التأسيسية والأساسية، ومن ثم فإن الموقف السوى يتمثل فى النظر إلى الإخوان كقوة مجتمعية وسياسية.