انطلقت قناة «الجزيرة أمريكا» لتبث في أكبر 12 ولاية بأمريكا من خلال 900 صحفي و12 مكتبًا إعلاميًا، وستصل مبدئيًا إلى 48 مليون منزل أمريكي من خلال 14 ساعة بث عن أخبار محلية ودولية.
والخبر هنا ليس في وجود «الجزيرة أمريكا»، ولكن في كيفية بثها، لأنها ستبث من خلال التعاقد مع أهم قنوات البث الكابلي (البث الكابلي هو النظام السائد في الولايات المتحدة الأمريكية). فهذه هي الطريقة المثلى للوصول للمجتمع الأمريكي وتوضيح رسالة القناة.
وبالرغم من وجود قنوات عدة تابعة لشبكة الجزيرة، إلا ولأن الخط الأيديولوجي البيني والرابط بينهم أصبح معادياً لمصر بعد 30 يونيو ورفض جموع الشعب المصري لحكومة الإخوان المسلمين. فالحرب التي تواجهها الحكومة المصرية الآن هي حرب إعلامية وعليها أن تخاطب من يعاديها بنفس السلاح وبقوة.
إن ما تقوم به القنوات الفضائية المصرية الحكومية والخاصة من وصف الأحداث وتحليلها ومحاولة التصدي للإرهاب، هو عمل جيد مما لا شك فيه، ولكن ما تقوم به من تصحيح لمعلومات مغلوطة وأداء متحيز من الإعلام الغربي لا يصل إلا للمصريين ولا يصحح الصورة الذهنية عند الغرب.
وبالرغم من بث بعض القنوات الفضائية المصرية لبرامجها باللغة الإنجليزية إلا أنها تبث فضائياً وليس من خلال أنظمة البث الكابلية وفي الأسواق الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة. فمبدأ الإتاحة وهو وجود قنوات مصرية باللغة الإنجليزية لا يعني أبداً النفاذ ووصول الرسالة إلى الجمهور المستهدف وقيادات الرأي في أمريكا وصانعي ومتخذي القرار. فنحن لا نستطيع الاعتماد على مبدأ الإتاحة في مواجهة حرب إعلامية تُشنّ على مصر في الخارج. وكما نعلم أن الإعلام من أقوى الأسلحة التي تؤثر على توجهات المجتمع الأمريكي وغيره وتكوين الصور الذهنية.. لذلك حاولت الجزيرة منذ أن كان «بوش» رئيسًا لتدشين قنواتها على أنظمة البث الكابلية بداخل أمريكا حتى تصل لهم (كانت إدارة بوش تضع عوائق لشبكة الجزيرة لأن الرأي السائد وقتها أنها كانت قناة معادية).
ولذلك يجب التنسيق والتعاون الاستراتيجي بين الإعلام الحكومي والخاص لإطلاق مثيل لهذه القناة (وليس هناك من مانع أن ينضم الإعلام العربي ونظم تمويل استثمارية عربية لإطلاق مثل هذه القناة)، ولو أن الدراسة والتحضير والتنفيذ والإطلاق سوف يكلف مالاً وجهداً ووقتاً ثميناً. فبالرغم مما تواجهه مصر بالداخل والتعامل الإعلامي للدفاع عن الجبهة الداخلية، يجب أن تكون مواجهة الإعلام الخارجي وتصحيح صورة الأحداث في الخارج في أولويات الأجندة الإعلامية من خلال النقاط التالية:
أولا: بلورة مبدأ النفاذ الإعلامي الآن، خاصة في الغرب من خلال التعاقد مع شركات العلاقات العامة الكبرى داخل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي لحجز أوقات على القنوات الأمريكية والأوروبية الأكثر مشاهدة واستقطاب مشاهير الصحفيين والإعلاميين لشرح حقيقة الأمور في مصر (ومن الجائز أن يتطلب هذا الأمر تعاونًا عربياً مادياً ومعلوماتياً).
ثانياً: وضع خطة عمل آنية لتنشيط وتعظيم دور الهيئة العامة للاستعلامات، كونه جهازًا يهدف إلى مخاطبة الرأي العام العالمي وشرح سياسة الدولة في مختلف المجالات لوسائل الإعلام من خلال مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات في كل دول العالم.
ثالثاً: عقد مؤتمرات عديدة وفي الفترة الحالية في مختلف أنحاء العالم من خلال السفارات المصرية ودعوة الصحفيين الأجانب من أجل تقديم المعلومات والوثائق عن حقيقة الأحداث في مصر.
رابعاً: بث إلكتروني للقنوات التليفزيونية المصرية المدبلجة بالإنجليزية والاهتمام ومتابعة تفاعل المشاهدين في العالم معها.
خامساً: تحديث المواقع الإلكترونية (باللغتين العربية والإنجليزية) لتوفير كل المعلومات الدقيقة في مختلف المجالات لإتاحة كل المعلومات التي يحتاجها الصحفيون والإعلاميون أو حتى المواطنيين العاديين.
سادساً: تفعيل مفهوم الدبلوماسية العامة وأدواته المختلفة، خاصة الثقافية والحضارية للتوعية والتنوير بما يحدث للمتاحف المصرية من تدمير والكنائس المصرية من حرق والآثار المصرية القديمة من تشويه.
سابعاً: تعظيم دور القوة المصرية الناعمة محلياً وإقليمياً وعولمياً لتوضيح طريق مصر إلى الديمقراطية في العصر الحديث.
ثامناً: تقوية وتعزيز دور وفاعلية قناة النيل الدولية ،(Nile TV) لتتبوأ مكانتها الطبيعية كمثيلتها وتطوير رسالتها بما يتماشى مع مرحلة الانتقال الديمقراطي الحالية.
لا تعتبر هذه المهمة مستحيلة في تنفيذها، ولكنها تتطلب وضع خطة زمنية ووجود مجموعة من الخبراء لمراقبة تنفيذها وأدائها وقياس نجاحها ومدى تأثيرها، فمصر دولة كبيرة ولديها كفاءات كثيرة رفيعة المستوى تستطيع مواجهة الحرب الإعلامية.