ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين من عنف وإرهاب وتعطيل مصالح الناس وتعريض حياتهم للخطر خلال الأيام الماضية, لا علاقة له بالإسلام الحنيف, ولا حتي الدفاع عن الشرعية المزعومة للرئيس المعزول. فالأول يدفعنا لاتباع كل الصفات الأخلاقية النبيلة, التي تحض علي حسن معاملة البشر وعدم الإضرار بهم. والثانية, تتطلب التصرف بحكمة لتقليل حجم الخسائر السياسية, وعدم التهور للحفاظ علي قدر من تماسك الجماعة. لكن ما نراه من ممارسات يومية, يبتعد عن الأخلاق الحميدة, ويؤدي إلي مزيد من المشاكل, ويفضي حتما إلي تفكيك التنظيم الحديدي. لأن ما يحدث في الشارع علي أيدي الإخوان وأنصارهم يرمي إلي تدمير البلاد وإشاعة الخراب, باعتباره الأمل الوحيد للخروج من المأزق الحالي. فبعض قيادات الجماعة تتوهم أن الدفع في هذا الاتجاه, قد يكون حبل نجاة من العقاب القانوني الذي ينتظرهم, ردا علي تجاوزاتهم الجنائية الموثقة بالصوت والصورة. وقد تحولت منصة رابعة العدوية من وسيلة رمزية للحفاظ علي وحدة الأهل والعشيرة والحلفاء ودغدغة مشاعر البسطاء, إلي قاذفة للبذاءات والافتراءات وتزوير الحقائق وتقسيم المجتمع وتأجيج الفتن.
الواقع أن الجماعة, تزج بشبابها ونسائها وأطفالها عمدا إلي قلب المظاهرات, وتدفعهم للتحرش ببعض الأماكن الحيوية, والاحتكاك بالمواطنين من خلال قطع الطرق, للوصول إلي نقطة الإثارة والاشتباك, وهو ما حدث في رمسيس والتحرير وصلاح سالم والنهضة والجيزة وأماكن أخري في محافظات مختلفة, للإيحاء بأن عزل مرسي زاد الوضع سخونة ولم يؤد إلي الاستقرار السياسي, بل ضاعف من حدة التسخين الأمني, الأمر الذي تعتقد الجماعة أنه سيقود إلي الغضب من المؤسسة العسكرية الوطنية التي ساندت الشرعية الشعبية, فتتراجع نسبة التأييد الهائلة التي تحظي بها وسط المواطنين. كما أنها تسعي بكل الطرق إلي تأجيج بذور الحرب الأهلية, وتحاول تأليب فئات المجتمع, من خلال حملات التحريض علي بعض الرموز والمؤسسات الوطنية. وتارة تجدها تقوم بتزوير صور لضحايا وقعوا في الاشتباكات التي افتعلها أنصار الإخوان للربط بين ما يدور في مصر من خلاف والأحداث الدامية في سوريا, حتي يتسني لها الترويج لمزاعمها بشأن إمكانية الاستعانة بتدخلات خارجية, وهذا إعلان صريح عن حجم الخيانة. وتارة أخري, تصب اللعنات علي الإدارة الأمريكية, بسبب واقعيتها الجديدة, وتقاعسها عن الاستمرار في تقديم الدعم السياسي للجماعة.
الخطأ الكبير, الذي وقعت فيه قيادات الإخوان, ولا تزال مصرة عليه, يتمثل في الكذب والافتراء والقراءة المشوهة للتطورات, وبالتالي عدم القدرة علي التحليل والاستشراف. وبدلا من الإقرار بأن هناك أزمة تستوجب التفكير للتصحيح, لجأت الجماعة إلي المناورة والإنكار واللف والدوران, لأنها تفتقد شجاعة الاعتراف, فكان من البديهي أن تتراكم في طريقها المشكلات. وهو ما أجبرها علي مواصلة مسلسل الأخطاء, الذي وصل إلي درجة المضي في طريق الانتحار. فقبل أيام قليلة تحدث أحدهم عن الموت, باعتباره المصير المحتوم الذي ينتظر الجماعة في جميع الحالات. ولعل هذه النتيجة التي أصبحت في وجدان كبار القيادات, يمكن أن تفسر جزءا مهما من الإصرار علي الاحتكاك بالمواطنين والتخريب في الشوارع والميادين, فإما أن تفلح الجماعة في توسيع نطاق الذعر والفوضي والإرهاب, فتختلط الأوراق السياسية والأمنية, ويتجدد لديها أمل في البقاء, أو يتعرض عدد من أعضائها والمتعاطفين معها للتنكيل, فتلبس ثوب الضحية, وتتغني بمفردات المظلومين والمغلوبين علي أمرهم, عسي أن تجد لنفسها منفذا لترويج عقدة التآمر والاضطهاد.
واضح أن هدف الإخوان من الأعمال الإرهابية لم يتحقق حتي الآن, وأن أجهزة الأمن فوتت عليهم كل الفرص لجرها لمواجهة مباشرة مع المواطنين, لكن في ظل التمادي في العنف والبلطجة, الذي تمارسه قيادات الجماعة وصبيانها والمخدوعون في خطابها, أصبح الحسم مطلبا ضروريا. وهناك الكثير من الأدوات القانونية التي يمكن استخدامها لردع الانتحاريين وخوارج هذا الزمان.