لكى تفهم أن الإخوان جماعة برجماتية تبحث عن مصالحها الخاصة بعيدا عن الدين، لذلك فإننى سأفترض أن الإخوان نجحوا مع محمد نجيب عام 1954 فى الإطاحة بجمال عبدالناصر والاستيلاء على الحكم، ثم أجبروا نجيب على التقاعد وأصبح مرشدهم الثانى حسن الهضيبى هو رئيس الجمهورية!.
ثم تخيل أن الرئيس حسن الهضيبى قام بكل ما قام به عبدالناصر فى كل المواقف، من تحديد للملكية الزراعية، ومواجهة الاعتداء الثلاثى، وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالى، وفى ذات الوقت مارس استبدادا وحبس المعارضين للإخوان، وفى السجون تم تعذيب هؤلاء المعارضين، وصولا إلى هزيمة 1967، فماذا سيكتب الإخوان وقتها عن ثورة يوليو؟.
سيكتب الإخوان ـ بلا ريب ـ أن ثورة يوليو هى أعظم الثورات فى تاريخ البشرية بعد ثورة الرسول صلى الله عليه وسلم على الكفر والشرك فى مكة، وستكون هى الثورة التى حاول التنظيم الفاسد «الضباط الأحرار» الاستيلاء عليها، ولكن الله وفق الرئيس الحكيم حسن الهضيبى فى القضاء على هذه المؤامرة، وستكون هى الثورة التى تآمرت عليها الشيطانة أمريكا عدوة الله فساعدت إسرائيل الصهيونية على هزيمة مصر عام 1967، إلا أن مصر الإسلامية تحت قيادة الرئيس حسن الهضيبى قادت حرب الاستنزاف وفجرت ميناء إيلات، وكبدت العدو الإسرائيلى خسائر فادحة، أما إنجازات ثورة يوليو الإخوانية فستكون هى أعظم إنجازات فى تاريخ مصر، ويكفى أنها انحازت للفقراء وحولت مصر إلى قلعة صناعية، وأممت قناة السويس ووقعت اتفاقية جلاء الإنجليز عن مصر، وأنشأت إذاعة القرآن الكريم ومدينة البعوث الإسلامية، وقامت بتحديث الأزهر وتحويله إلى جامعة حديثة، وقامت أيضا بترجمة القرآن الكريم، ثم أنشأت مجموعة دول الحياد الإيجابى وعدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، والمنظمة الأفريقية، وجعل الرئيس الملهم حسن الهضيبى مصر رقما صحيحا فاعلا فى السياسة الدولية، ولأن هذا الافتراض لم يحدث، فإننا سنطرح السؤال المنطقى الذى يبحث عن إجابة قد تحلل لنا طبيعة جماعة الإخوان وموقفها العدائى من الجيش المصرى ومن المشير السيسى، هذا السؤال هو: ما هو سبب عداء الإخوان المسلمين لعبدالناصر ونظام حكمه؟.
لم يكن خلاف الإخوان مع الضباط الأحرار أو مع عبدالناصر أو بمعنى أدق مع ثورة يوليو خلافا حول العقيدة أو الإسلام أو حتى الحريات، لم يكن خلافا مع الفكرة، ولكنه كان خلافا حول الحكم
لم يكن خلاف الإخوان مع الضباط الأحرار أو مع عبدالناصر أو بمعنى أدق مع ثورة يوليو خلافا حول العقيدة أو الإسلام أو حتى الحريات، لم يكن خلافا مع الفكرة، ولكنه كان خلافا حول الحكم، حول السيطرة والرغبة فى الاستحواذ والهيمنة، فالإخوان مثلا لا تعنيهم قضايا الحريات ـ إلا حريتهم ـ ففى بداية ثورة يوليو كتب الأستاذ سيد قطب مقالا يطالب فيه جمال عبدالناصر بهجر الديمقراطية وتحويل الحكم إلى حكم ديكتاتورى، ويحرضه على إقصاء كل المعارضين للثورة، لم تكن مطالبات سيد قطب لعبدالناصر فى هذا الشأن هو مجرد رأى لواحد من الإخوان ولكنه كان اتجاها فى الجماعة.
كما أن عبدالناصر فى حكمه لم يكن ضد الإسلام، أو معاديا له بل إن الإخوان أنفسهم يقولون وهم ينسبون الثورة لهم: إن جمال عبدالناصر كان من الإخوان المسلمين وقد بايع حسن البنا وقام بزيارته فى قبره وحرك قضية مقتله وحبس من قتلو.
الحقيقة أن الإخوان المسلمين لم يساهموا فى ثورة يوليو بكثير أو قليل، تماما كعدم مشاركتهم فى ثورة يناير 2011، ولكنهم أرادوا مصادرة الثورة لمصلحتهم، لذلك حدث الخلاف الأول حول كيف سيشارك الإخوان فى الحكم، إذ رأى عبدالناصر أن الإخوان يجب أن يشاركوا فى الوزارة بالعدد الذى يراه هو، وبالأشخاص الذين يختارهم، ولكن الهضيبى رفض هذا الأمر إذ أراد أن يستأثر بالثورة كلها وبالحكم، وصمم على أن يقوم الإخوان بتشكيل الوزارة وهو الأمر الذى رفضه عبدالناصر وترتب على ذلك أن خرج الشيخ الباقورى من الجماعة فى خلاف شهير، ثم حدثت بعد ذلك التداعيات، ففى مساء يوم 26 أكتوبر من عام 1954 وفى ميدان المنشية بالإسكندرية انطلقت رصاصة الإخوانى محمود عبداللطيف فى اتجاه عبدالناصر وكانت رصاصة طائشة ضلت سبيلها ولكنها كانت هى رصاصة الرحمة التى كشفت عن أن الحكم عند الإخوان قبل الدين دائما.