مع تصاعد الأزمة المصرية الأخيرة ثارت التساؤلات عن موقف الجيش المصري من الأحداث، وعن ما إذا كان تدخل الجيش واردا أم لا؟
فقد عادت المؤسسة العسكرية القوية في مصر في الأيام الأخيرة إلى الواجهة التي غادرتها منذ وصول الرئيس محمد مرسي للحكم كأول رئيس للجمهورية من خارج الجيش، بعد أن كلفها بالمساعدة في حفظ الأمن والنظام أثناء الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد، وسط انقسام سياسي عميق في البلاد قد يضطرها للتدخل.
ولعل أول إشارة إلى القوات المسلحة خلال الأزمة التي تلت إصدار الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا، خرجت من رئيس حزب الدستور محمد البرادعي الذي أعرب عن ثقته في "قلق الجيش المصري" مما يجري في البلاد. ولم يستبعد تدخل الجيش إذا خرج الوضع في مصر عن السيطرة.
وكان الجيش المصري دخل في بيان أصدره السبت الماضي على خط النزاع القائم بين الرئيس ومعارضيه، داعيا جميع الأطراف إلى اعتماد الحوار لحل الأزمة، محذرا من أنه "لن يسمح" بأن تدخل البلاد "نفقا مظلما نتائجه كارثية".
ولم يذكر بيان الجيش الرئيس محمد مرسي بالاسم، لكنه قال إن حل الأزمة يجب ألا يكون مناقضا "للثوابت الإستراتيجية المؤسسة على الشرعية القانونية والقواعد الديمقراطية التي توافقنا عليها وقبلنا التحرك إلى المستقبل على أساسها".
تفسيرات متباينة
وبقدر ما كان بيان الجيش متوازنا، إلا أن محاولات تفسيره وقراءة ما بين أسطره تعددت. فقد قال الباحث في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن "الرئيس مرسي سعى بعد انتخابه إلى إعادة الجيش إلى دوره كجيش محترف لا يتدخل في السياسة".
واستدرك قائلا "إن تكليف مرسي الجيش بالمساعدة في حفظ الأمن حتى ظهور نتائج الاستفتاء ومنح ضباطه حق توقيف المدنيين، وكذلك البيان الصادر عن المؤسسة العسكرية، أكدا مجددا أن الجيش لا يزال قوة لا يمكن تجاهلها في الحياة السياسية المصرية". مشيرا إلى أن البيان "أظهر أنه لا يزال يملك أقداما وأصابع في العمل السياسي".
ومع تأكيد ربيع أن "العسكريين بدوا حذرين جدا" في البيان الذي وصفه بـ"المثير"، فإنه أضاف أن "السؤال الذي يبقى مطروحا هو في حالة خروج المواجهات في الشارع عن السيطرة، هل سيتدخل الجيش بأمر الرئيس أم ضد الرئيس؟".
من جهته أشار الناشط السياسي محسن سالم إلى أن المؤسسة العسكرية "تقف اليوم في مستوى الوضع ذاته قبل سقوط حسني مبارك، أي على الحياد"، غير أنه أضاف "لو حدثت أعمال عنف وسالت دماء فإن الجيش سيتدخل حتما للسيطرة على الوضع ولن يلتفت كثيرا لكون الرئيس مرسي منتخبا".
لكن المحلل السياسي المصري حسن نافعة أكد أن رسالة الجيش كانت موجهة في الوقت نفسه "إلى الإخوان المسلمين والقوى المعارضة".
وقال مصدر في الجيش قريب من كبار القادة العسكريين لوكالة رويترز إن البيان "لا يشير إلى أي تدخل مستقبلا في السياسة".
وقال حسن أبو طالب من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إن بيان الجيش ينطوي على رغبة في أن يحل الطرفان خلافاتهما بالحوار، واستبعد تدخلا عسكريا مباشرا في النزاع. وأضاف أن العسكريين يدركون أن تدخلهم في السياسة مرة أخرى سيضعهم بين شقي رحى.
من جانبها استبعدت مجلة "تايم" الأميركية وجود نية بين قيادات القوات المسلحة المصرية للانقضاض على السلطة بانقلاب عسكري، قائلة إنه "لو كان ثمة نية لهذا الإجراء لكان الوقت الراهن هو الأنسب لتنفيذه".
وقالت المجلة إنه "رغم تشابه السيناريو الحالي الذي تشهده مصر بما يحمله من ملابسات بالسيناريوهات التي تسبق الانقلابات في المجتمعات المضطربة ذات الجيوش القوية، إلا أن احتمال قيام قادة الجيش المصري بمثل هذا الانقلاب لا يزال مستبعدا"، مشيرة إلى حرص الرئيس محمد مرسي على الإبقاء على الجيش بعيدا عن النزاعات القائمة حاليا.
وتولى الجيش المصري -الذي خرج من صفوفه كافة الرؤساء الأربعة السابقين لمحمد مرسي بين 1952 و2012، إثر الإطاحة بحسني مبارك في فبراير/شباط 2011- قيادة المرحلة الانتقالية والسلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال مجلس عسكري قاده المشير حسين طنطاوي. ويبلغ عدد الجيش المصري 470 ألف جندي إضافة إلى 480 ألفا من جنود الاحتياط، بحسب المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن.