الواقع أن الرئيس مرسي بعناده وتشبثه بموقفه من الإعلان الدستوري يريد أن يهين القضاة ويعتدي علي إستقلالهم, بالإضافة إلي وجود تناقض في قراره بمد عمل الجمعية التأسيسية للدستور لمدة شهرين وتحصينها ضد الحل,
ثم نفاجأ بها تنتهي من إعداد مشروع الدستور الجديد في يوم بليل وهو مايعني وجود خروج علي القانون,لأن الأعمال المنافية للقانون عادة تتم بليل علي رأي الأستاذ هيكل.
(1)
يتصور الرئيس أنه أصبح أمامه مخرجا من الأزمة الخاصة بالإعلان الدستوري المشئوم, وما ترتب عليه من إستفزاز القضاة وشعورهم بالعدوان علي إستقلالهم, ويتمثل هذا المخرج في إنتهاء اللجنة التأسيسية من صياغة مشروع الدستور الجديدوتوقيعه ثم عرضه علي الشعب لمناقشته وأخيرا طرحه للإستفتاء العام, فإذا وافق الشعب عليه, وجرت خلال60 يوما من إعلان النتيجة إنتخابات مجلس الشعب, فإن الإعلان الدستوري يسقط من تلقاء نفسه كما قال مرسي.
لكن يبقي أن نتساءل ماذا ستفعل المحكمة الدستورية في جلستها اليوم الأحد2 ديسمبر, فالمحكمة أمامها حلين: إما أن تقضي ببقاء الجمعية التأسيسية وسوف يعني هذا أن مشروع الدستور الذي أعدته صالح للعمل به, وبذلك تأتي الرياح بما تشتهي سفينة مرسي, أما اذا قضت المحكمة ببطلان الجمعية التأسيسية وحلها, فإن هذا لن يعني إلا أن علي الرئيس أن يعين جمعية جديدة تتولي إعداد مشروع الدستور,مع الإستعانة بالطبع بالمشروع الذي أعدته الجمعية المقضي بحلها, وهذه عملية ستستغرق شهرين علي الأقل, ناهيك عن الفترة المتعلقة بتوقيع المشروع ومناقشته وطرحه للإستفتاء العام وإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد, وطوال هذه الفترة سيستمر سريان الإعلان الدستوري وتستمر أزمة القضاه,ويتوقف نظر القضايا في المحاكم. ماذا سيفعل الرئيس في هذه الأزمة؟ وكيف سيواجهها؟.
(2)
تضمن الإعلان الدستوري مجموعة أخطاء فادحة في حق القضاه ما كان يمكن أن تمر.
الأول إنتهاك قانون السلطة القضائية بعزل النائب العام عبد المجيد محمود, رغم أن القانون يقضي بعدم قابليته للعزل, ثم إنه إختار نائبا عاما جديدا بدون أن يتم ترشيحه من جانب المجلس الأعلي للهيئات القضائية أو حتي أخذ رأيهم فيه, علي خلاف كل السوابق المعمول بها, وهكذا تصرف الرئيس مع النائبين العامين المعزول والجديد كأنهما موظفان عاديان في الدولة وذلك علي خلاف الحقيقة.
القضاة أنفسهم أخذوا يتساءلون: ماذا يحدث إذا قرر مرسي تغيير رئيس محكمة لا يعجبه ينظر في قضية تهمه وإختار قاض بديل, ما دام إنه فعل ذلك مع النائب العام. ثم إن المهزلة في إقالة النائب العام تبلغ أقصاها من واقع تفصيل نص دستوري بالمقاس لإقالته, بالرغم من أن وضع مثل هذا النص هو بذاته عمل غير قانوني وغير دستوري.
(3)
من أخطر ما في الإعلان الدستوري إنه يؤسس حصانة لرئيس جمهورية تجعله فوق المساءلة, سواء أمام القضاء أو البرلمان, وليس من المستبعد أن تكون هذه الخطوة مجرد بالون إختبار, فإذا تقبلها الشعب أو رضي بالتعايش معها أو تم قهره علي ذلك, فإنه يتم الشروع بعد فترة من الزمن في تشكيل هيئة عليا إرشادية ذات صلاحيات سيادية, والجميع مسئول أمامها حتي رئيس الجمهورية وهي ليست مسئولة أمام أحد, وقد تضم هذه الهيئة في عضويتها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ونوابه الأطهار الأتقياء, وبحيث لا يتجاوز عدد أعضاء هذه الهيئة التقية عشرة. وتكون مهمتهم رسم سياسات الدولة وتحديد أولويات الحكومة, وإستبعاد الشخصيات الخطرة من الترشح لأي إنتخابات برلمانية أو محلية أو نقابية أو حتي الأندية الرياضية. قد يقول قائل أن هذا التصور يماثل هيئة تشخيص مصلحة النظام في إيران ونقول أن الجماعة عندما طرحت تصورها في برنامج لنظام الحكم في مصر قبل سنوات فإنه إنطوي علي هيئة شرعية محصنة ذات صلاحيات فوق دستورية تماثل الهيئة الإيرانية.