يبدو أن الحكومة المصرية اكتسبت خبرات كثيرة فى كيفية محاكمة رئيس الجمهورية، وكبار معاونيه. فكلنا نتذكر تفاهة بعض التهم التى وجهت إلى عائله مبارك، كاتهام أحدهم بشراء فيلا بأقل من ثمنها الحقيقى، بينما من باع له لم يتقدم بشكوى، وإذا تم سؤاله فسيشهد فى صالح المتهم، كما أن الادعاء لم يقم بدوره كاملا، لأن الشرطة لم تقم بدورها أيضا فى التحريات، وجمع الأدلة. ولكن فى محاكمة الرئيس مرسى تغير الوضع، فالوقائع والقرائن التى ستقدم ستكون دامغة، وتدين المتهمين بلا أدنى شك. وربما لا يعود ذلك إلى الخبرات المكتسبة من محاكمة مبارك فقط، ولكن لعدة عوامل أخرى، لعل أولها بشاعة الجرائم المرتكبة، والثقة بالنفس، والتعالى والغرور الذى أصاب المتهمين أثناء تنفيذهم جريمتهم، حيث كانوا فى أوج السلطة، ولم يتصوروا نقلهم منها إلى قفص الاتهام بهذه السرعة، بالإضافة لمعاداتهم ودخولهم فى معارك مع الجهات الشرطية، والقضائية مما زاد من اجتهاد هذه الجهات فى البحث، وتوثيق الدلائل، والشهود لتوجيه اتهامات وقرائن، تمثل الجريمة المتكاملة.
ورغم أن مرسى واجه تهما فى أول جلسة محاكمة، ولكنها ليست التهم الوحيدة، فهناك اتهامات أخرى سيتم توجيهها له تباعا، وربما قد يصل عدد القضايا إلى ثمان، إذا أفلت من أحدها، فإنه لن يفلت من الباقين.
ولعل أقوى التهم ستكون التخابر مع دول، أو تنظيمات أجنبية، مما عرض البلاد للخطر، وحيث إن هذه تهم قد تمس علاقات دولية، فإن خروج معلوماتها سيأتى تباعا، وسيرتبط بالعلاقات السياسية مع بعض الدول، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تردد فى الفترة الأخيرة، تسرب بعض المعلومات عن مكالمة تليفونية، أجراها مرسى مع أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة أثناء زيارته لألمانيا، تجسست عليها المخابرات الألمانية والأمريكية وربما أيضا المصرية، وكانت سببا فى اختصار وقت الزيارة.
ولكن علاقة مرسى بالتنظيمات الإرهابية بلاشك كانت قوية، وذلك مما لاحظناه من قرارات العفو التى أصدرها للكثير منهم، ممن كانوا فى السجون، أو إلغاء قرارات الترقب عند الوصول للكثير من إرهابيى أفغانستان وباكستان، من أصل مصرى، والسماح بعودتهم إلى البلاد، وتوطنهم بسيناء. وقد كان لتفتيت جهاز أمن الدولة، وتسريح ضباطه خاصة من تخصصوا فى متابعة الجهاديين الإسلاميين، دورا فى تقوية شوكة هذه الجماعات، نتيجته ظهرت فيما تواجهه مصر الآن من عمليات إرهابية، سواء بسيناء أو الدلتا أو القاهرة.
ولم يكن جهاز أمن الدولة هو المتأثر الوحيد من سياسة مرسى، وجماعته بل إن المخابرات المصرية أيضا عانت الكثير، ومن أمثلة ذلك استقالة ضابط المخابرات العامة المسئول عن ملف سيناء فى عهد مرسى، لشعوره بأنه يلعب دورا فى خيانة بلاده، وهو أسوأ ما يمكن أن يواجهه ضابط مخابرات محترف ووطنى. لقد جرى العرف على أن يقوم مسئول المخابرات المصرية، عن أى ملف له أهمية كبيرة للأمن القومى للبلاد، سواء كانت سيناء أو غيرها، أن يكتب تقاريره، وتسلم مباشرة، لرئيس جهاز المخابرات العامة، ليكتب تقريرا يسلم مباشرة لرئيس الجمهورية، وفى عهد مرسى فوجئ هذا الضابط، بتسريب التقارير التى يكتبها إلى الجهاديين بسيناء، وورود معلومات من المتعاونين معه والعيون التى زرعها بين هذه التنظيمات، بأن التعليمات صدرت للجهاديين بتغيير خططهم، لأن الأمن على دراية بها، وبهذا تحول عمله الاستخباراتى، لخدمة أعداء بلده بعد تسرب المعلومات من مؤسسة الرئاسة، مما اضطره للاستقالة. ولم يصل الأمر إلى تسريب المعلومات فقط، بل وصل بجاحة الأمر إلى اتصال سكرتارية الرئاسة به مباشرة، لإخباره بأن الرئيس لا يرحب بتقاريره، التى تعارض التوطين الفلسطينى، وتطالبه بتعليمات مباشرة بالتوقف عن كتابتها.
لقد قام مرسى بشو إعلامى جيد، فى جلسة محاكمته الأولى، ولكنه الآن عليه أن يعى الدرس، ويعلم أنه يواجه معركة قضائية شرسة، موقفه فيها ضعيف، فعليه أن يعد العدة لها مع طاقم محامين قوى، لعله ينجو من حبل المشنقة، ويكتفى القاضى بعقوبة السجن.