يقول المثل المصري الشعبي المعروف اللي يخاف من العفريت.. يطلع له!!!. ففي خلال الأيام القليلة الماضية,
لوحظ تكرار ترديد نذر الشؤم بامكانية أو احتمالية حدوث حرب أهلية لا قدر الله خلال أحاديث النخبة ومن يتصورون أنفسهم نخبة.. بل حتي بين عوام البشر بشكل مفرط وغير مسبوق, ولربما غير مبرر.
الخوف كل الخوف, أن نظل نردد مثل تلك التخرصات غير الواردة بمشيئة الله تعالي, فتتحول في أذهاننا ومخيلة البعض منا من تخرصات إلي احتمالات. وبناء عليه, فقد يشرع البعض منا إلي الاستعداد لمثل تلك الاحتمالات التي قد تؤول الي سيناريوهات... فيستدعي هذا بالتبعية أن يتخوف البعض الآخر وتتضاعف خشيته, فتنزلق البلاد الي هاوية الاستعداد والاستعداد المضاد!!!.
فلنتفق أن الله حارس مصر وراعيها, ولولا تلك الرعاية الالهية لكان ثمن الثورة الفائتة أكبر بكثير, ولربما تم استنساخ سيناريوهات أكثر رعبا مثلما حدث بالمنطقة.. ولنتفق كذلك أن أي خلاف سياسي, سواء بسبب قرارات الرئيس الاخيرة أو غيرها, قد يؤجج الغضب ويدفع الي الاحتقان أو المظاهرات الصاخبة.. الخ, ولكنه أبدا لن يدفع مصر لحرب أهلية, وذلك لأسباب كثيرة منها مايلي:
أن الجيش المصري جيش احترافي قوامه كله من أبناء مصر بامتداد البلاد وعرضها. ولقد حافظ الجيش علي تماسكه وتوازنه في أكثر الاختبارات قسوة, علي امتداد التاريخ, ولسوف يظل هذا الجيش رمانة ميزان والعمود الفقري لأمن مصر القومي والجيش, ومن ورائه الأجهزة الأمنية والشرطة, وهو قادر وقت اللزوم علي القيام بكل ما من شأنه استبعاد تلك الاحتمالات.
أنه لا توجد في التاريخ سوابق ترجح مثل هذا الاحتمال المرعب. ففي ثورة1919 قام الانجليز باستخدام القوة المفرطة, وحدثت أعمال مقاومة وعنف بشكل كبير علي امتداد سنوات, ولكن العقد لم ينفرط... وعندما حدثت فاجعة1967, تمسك الشعب بالرئيس المهزوم حتي تتماسك البلاد وتتغلب علي عثرتها, في مشهد أسطوري قلما يحدث في التاريخ.
الحرب الأهلية لكي تحدث.. فأنها تستوجب الطائفية أو الاثنية أو معايير جغرافية معينة.. الخ.. وهذا بحمد الله غير ممكن في مصر, فالمسلمون والمسيحيون يعيشون معا وجنبا الي جنب منذ دخول الاسلام الي مصر, في كل شارع وحارة. قد تحدث أحداث عنف طائفي, ولكنها تظل في اطار محدود بالحادثة محل الشقاق, وسرعان ما يتم احتواؤها.. ثم أن المصريين جميعا هم من نبت واحد وعنصر واحد, فمصر تحولت منذ فجر التاريخ الي بوتقة صهر لعروق بشرية مختلفة منها العرب والأتراك والشراكسة والبدو والنوبيون والقبط الخ... حتي كون المصريون معا تخليقا بشريا متمايزا يمكنك أن تشعر به, مهما اختلفت الملامح أو تباعدت الفجوات الاجتماعية او الاقتصادية. كذلك, فإن الطوبوغرافيا في بلادنا.. وتكدس الناس أو اغلبهم حول نهر النيل, تجعل انفصالهم عنه أو اقتتالهم بشأنه نوعا من الجنون. قد تحدث حادثة جنون هنا وهناك, ولكن الامر لا يتجاوز سقفا معينا.
المصريون لديهم قدر كبير من الوطنية والانتماء. فلقد اتيح لكاتب تلك السطور فرصة السفر الي بلاد شتي, فقيرة وغنية ومتقدمة ومتخلفة, ولكنني أشهد أنني لم أجد جنسية تحمل هذا القدر من الانتماء لبلادها. وهذا يفسر اشياء كثيرة حول احتمال الشعب المصري للظلم والقهر والاستبداد ضمن اسباب اخري فالمصري بطبعه محب لبلاده ومنتم لها ذ ربما بقدر من الشوفينية- ويتصورها أنها أجمل وأعظم البلاد.
الخوف من انتشار السلاح نتيجة ظروف المنطقة مشروع, ولكن علينا أن نتذكر أننا شعب لديه مخزون حضاري كامن.. ولعل مصر عاشت وتعايشت بدون قانون لفترات طويلة بما يفوق دول كثيرة أخري.. فغياب الأمن في أكثر الدول ثراء وتقدما, كفيل بانتشار الجريمة والإقتتال والإغتصاب.. الخ, وهذا ما لم يحدث بمصر, علي الاقل بالقدر الذي حدث بالدول الأخري.
واختتم بمقولة لصديق أكاديمي ايطالي, وهو متابع للشأن المصري, عندما ذكر لي أنه لاحظ أن المصريين رغم قسوة مشكلاتهم ووجود مظاهر تخلف واضحة, إلا أن لديهم مخزونا حضاريا كامنا يظهر في وقت الأزمات, مثلما تبدي يوم28 يناير2011 عندما تم بشكل تلقائي وعفوي تكوين دروع بشرية لحماية المتحف المصري.. نعم لدينا مخزون حضاري.. وهذا هو حزام الأمان لمصر والمصريين.. وهذا المخزون تجده في كل ربوع مصر... فبالله علكيم لا ترددوا نذر الشؤم... بشأن الاقتتال الداخلي.. حتي لا تتحقق..