لست فى حاجة لأن أقدم حصرا بالوقائع التى تؤكد حالة الفوضى الإعلامية التى نعيش فيها حاليا فبعض مقدمى البرامج تسببوا فى أزمات دبلوماسية وآخرون أساءوا إلى دول شقيقة وآخرون أساءوا إلى المجتمع المصرى بكامله. ولكننى أجزم بأن هذه الحالة لن تتوقف لأننا حتى الآن لم نصنع النظام الذى يمنع تكرارها والذى يضع فى نفس الوقت الأسس التى تضمن استقلال الإعلام وحريته.
فحتى الآن ليس لدينا توافق عام على التشريعات التى يجب أن تصدر لإعادة هيكلة الإعلام.
كل يوم تقرأ على صفحات الصحف مشروع قانون لتأسيس المجلس الأعلى للإعلام، ومعظمها لا يتوافق مع أحكام الدستور الجديد ونصوصه. والإيقاع الذى يحكم عملية إعداد هذه التشريعات، يتسم بالبطء الشديد وكان الإعلام لا يعانى أزمة وكأنه لا توجد جهات متربصة تعد قوانينها من أجل إعادة إنتاج النظام الإعلامى السلطوى تحت مسميات جديدة.
والأمر الغريب أن المطلوب هو حزمة تشريعات فى مقدمتها قانون لتأسيس «المجلس الأعلى للإعلام» وآخر لتأسيس «الهيئة الوطنية للصحافة» وثالث لتأسيس «الهيئة الوطنية للإعلام» إضافة إلى تعديل قانون الصحافة وبعض مواد قانون العقوبات المرتبطة بالنشر، ولكن الملاحظ أن كل الجهود ترتكز فقط على قانون واحد فقط هو قانون المجلس الأعلى للإعلام، وهذا القانون من المفترض أن يعنى به ملاك القنوات التليفزيونية والصحف والذين ينوون تأسيس صحف أو مواقع إلكترونية فى الوقت الذى يتجاهل فيه الناشطون قانونى الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام وهما مرتبطان بحياة وأكل عيش عشرات الآلاف من العاملين فى تليفزيون الحكومة ومدينة الإنتاج الإعلامى وشركات تابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، فضلا عن الصحفيين والإداريين العمال العاملين فى الصحف القومية.
إضافة إلى كل ذلك فان إصلاح حال الإعلام المصرى لن يتم إلا بأن تتحول وسائل الإعلام المملوكة للدولة إلى إعلام الخدمة العامة، وحتى الآن لم تبذل أى جهود لتحقيق ذلك، كذلك يجب البحث عن صيغ للحفاظ على حقوق العاملين فى الإعلام المملوك للدولة، وحتى حينه أيضا لم تبذل أى محاولات لتحقيق ذلك أو حتى بحثه للوصول إلى صيغ وأفكار تستفيد من التجارب الدولية المشابهة للتجربة المصرية الراهنة.
والمؤسف انه حتى الآن والكل يتناقش فى العموميات الخاصة بالموضوع، مع أن هناك نقاطا تقنية من المفروض أن تخضع للنقاش لأنها هى لب الموضوع مثل من الذى من حقه إعطاء شارات البث للقنوات التلفزيونية، وكيفية السماح لقنوات الكابل بالعمل وكيفية تحديد الرسوم التى تحصلها من المشتركين وآليات ضبط المنافسة ومنع الاحتكار على النحو الذى يحدث فى كل دول العالم التى تملك إعلاما حرا ومستقلا وتنافسيا فى نفس الوقت.
والأمر الذى يدعو إلى القلق هو أننا نسمع الآن فقط عن بدء تشكيل لجان لكى تبدأ من المربع رقم واحد. ومن يشكلون هذه اللجان لا يدركون أن هناك لجانا أخرى تعمل خلف الأضواء لكى تنسف أى مكاسب حققها الإعلاميون فى الدستور الجديد، وهم لأسباب متعددة لا يريدون أن تحقق مصر حرية الإعلام. والحل عندى هو أن تتولى هذه اللجان مناقشة المشروعات الجاهزة والانطلاق منها حتى لا يضيع الوقت وحتى تقطع الطريق على ترزية القوانين الذين يعملون فى الخفاء ثم يفاجئوننا بعد ذلك بقوانين تعيدنا إلى عصر الشمولية مرة أخرى.