عندما سألني الصحفي الأمريكي قبل أيام عن "حالة" الإعلام في مصر الآن ، وهو المجال الذي يهتم به وأتى من أجله خصيصا ، قلت له أن الإعلام المصري "بعافية" حبتين هذه الأيام ، فطلب توضيحا لما أقصده ، فقلت له أنه من الصعب أن نسوق كلاما يقول أن السيناتور جون ماكين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي يتعاطف مع تنظيم الإخوان المسلمين لأنه شريك في تجارة سلاح غير مشروعة مع خيرت الشاطر قيادي الجماعة المحظورة ، وينشر ذلك في أي إعلام محترم ، ترك الرجل القلم والورقة التي يدون فيها ملاحظاته وتفحص وجهي طويلا كأنما يتأكد من أني بكامل الوعي ولست "سكرانا" ، فأكدت له صحة هذه المعلومة الخطيرة نقلا عن صحف مصرية يومية شهيرة ، ولا أعرف كيف سيكون حال الرجل عندما يخبره آخرون عن الخبر القنبلة الذي "انفردت" به صحيفة حزبية يومية كبيرة في مصر من اكتشافها أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عضو في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، الصحيفة لم توضح بالضبط الزمان والمكان الذي أدى فيه أوباما قسم الولاء والبيعة للدكتور محمد بديع مرشد الإخوان ، كما لم توضح المركز الذي يشغله الرئيس أوباما في تنظيم الإخوان المسلمين ، وهل تمت ترقيته إلى عضوية مكتب الإرشاد مع خيرت الشاطر ومحمود عزت ورشاد البيومي ، أم أنهم اكتفوا بأنه مسؤول شعبة الجماعة في البيت الأبيض ! ، وقبل يومين كتب رئيس تحرير صحيفة الأهرام التي تعتبر على نطاق واسع المتحدثة باسم الحكومة والسلطة القائمة ، حتى أيام الإخوان وسلطتهم ، كتب يعرض مذكرة اتهام خطيرة في حق السفيرة الأمريكية "آن باترسون" ، كشف فيها معلومات "خطيرة" أخرى تتحدث عن تورط السفيرة الأمريكية في مؤامرة تهريب السلاح والإرهابيين إلى مصر ، وأنها ضالعة في مخطط تخريبي واسع النطاق لتقسيم مصر إلى دولتين في الشمال والجنوب ، وستكون عاصمة الجنوب هي مدينة "المنيا" وكلام طويل عريض على هذه الشاكلة ، السفيرة الأمريكية التي غادرت الآن بعد انقضاء مدتها ، كتبت خطابا شديد اللهجة للصحيفة المصرية تقول فيها أن ما نشرته ليس "صحافة سيئة" ، لأنه لا يعتبر صحافة من حيث الأساس ، ووصفت ما كتبه بأنه خيالات وتهريج لا يليق بأكبر صحيفة رسمية في مصر وأنه مجرد تحريض على العنف وزيادة التوتر في بلد هو متوتر بالفعل حسب قول باترسون في خطابها غير المسبوق ، والحقيقة أن ما نسبته الأهرام للسفيرة الأمريكية لو "لبس" في مواطن مصري ، لكان الآن ينتظر حكما بالإعدام أو المؤبد من محكمة أمن دولة . هناك حالة من التدني والإسفاف في الصحافة المصرية والإعلام المصري هذه الأيام ليس له مثيل فيما سبق ، شيء أقرب إلى الجنون والهلاوس لا يمكن تصور صدوره من منظومة لها رصيد من العمق والتاريخ كانت فيه رائدة للإعلام العربي كله ، نحن نعيش الآن فضيحة وطنية مروعة ، تقتضي أن تكون هناك حالة استنفار في نقابة الصحفيين وفي أول اجتماع للمجلس الأعلى للصحافة بتشكيله الجديد ، لوقف هذه الفوضى وإخضاع كل من يرتكب هذه الحماقات للمساءلة المهنية ، لأنه يهين الصحافة المصرية ، ويسيء إلى جميع منتسبيها ، لا بد من وقف الانهيار بأسرع وقت ، ولا يغفر لأحد محاولة تزلفه الطفولي للسلطة الجديدة أو القيادة العسكرية بمثل هذه الهلاوس التي هي بالفعل لا يمكن نسبتها للصحافة من بابه ، ويقيني أن هؤلاء يسيئون إلى السلطة الجديدة ذاتها ، لأنهم يعطون انطباعا في الخارج أن هذه الخزعبلات والهلاوس تأتي بتوجيه رسمي ، وليست مجرد "نفاق" من بعض محدودي الخبرة والكفاءة ، هم أشبه بالدبة التي تقتل صاحبها أو تصيبه بعاهة وهي تتصور أنها تدفع الأذى عنه ، يا جماعة ، أرجوكم ، أوقفوا هذه المهانة التي تسيء للجماعة الصحفية المصرية كلها .