بصفة يومية. تتلقى مكاتب الدولة الرسمية، خاصة النيابة العامة، بلاغات من نوع غريب. فلان بيكره مصر، وفلان بيشهر بشعب مصر، وفلان شيعى، والآخر بهائى، والثالث عميل، والرابع مش وطنى، وهذا يعمل على تكدير السلم العام، وذاك يعمل على نشر الفوضى، وذلك يكره النظام، ورجل الأعمال هذا لا يسدد الضرائب، وذلك المستثمر هارب من الجمارك، وهؤلاء ميولهم دينية، والآخرون شكلهم غير مريح.. وهكذا.
الأغرب هو أن تكتشف بالصدفة البحتة أن بعض هذه البلاغات تطلبها بعض الأجهزة الرسمية بنفسها. بمعنى أنها إذا أرادت إزعاج فلان، أو الضغط على علان، أو تكدير ترتان، فما عليها إلا تكليف أحد كتبة البلاغات بالقيام باللازم، وهو كتابة البلاغ. أحيانا يكون مطلوباً منه التوقيع فقط على البلاغ، حيث تمت كتابته مسبقاً لديها.
كنت أعتقد أننى أمام اكتشاف مثير. إلى أن قال لى أحد الأصدقاء إن هذه أساليب قديمة جداً ومعروفة للعامة. وأضاف أن الجهة الرسمية أياً كانت تقوم باستدعائك للتحقيق في البلاغ من منطلق أنها تؤدى دورها فقط، ليس لها أي مصلحة، في حين أنها هي التي تقف وراء الموضوع من بدايته حتى نهايته. لماذا كل هذا اللف والدوران؟ لا أدرى.
المثير أكثر هو أن عملاء البلاغات هؤلاء تستهويهم العملية، فيتعايشون هم من تلقاء أنفسهم مع هذا الدور، فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع ونقرأ عن بلاغات قدمها أحد المحامين الذين يستمتعون بالشهرة الزائفة، واتهامات شفهية في نفس الإطار من أحد الصحفيين الممقوتين شعبياً ورسمياً، وكأنهما تقاسما معاً أدوار البلطجة على المجتمع. على العامة والخاصة إذن اتقاء شرورهما. على الجميع التودد إليهما. علينا جميعاً الإمعان في نفاقهما. وهذا ما يحدث بالفعل.
نحن أيها السادة أمام قضية غاية في الخطورة. هي الأخطر بين أنواع البلطجة المتعارف عليها. هي احتراف إخضاع المجتمع لفئة مبتزة. ساهمت في ذلك للأسف أجهزة رفيعة المستوى. وشخصيات على رأس هذه الأجهزة أقل ما يقال عنها إنها فاشلة شكلاً وموضوعاً. وفى نهاية الإزعاج أو الضغط والتكدير يمكن أن تسمع عبارة: نعتذر عن سوء التفاهم، هذا إذا لم يكن الأمر قد تخطى النيابة إلى المحاكم، والمحامين، والكفالات، والحبس الاحتياطى، وخلافه.. وهى الأمور التي كانت هدفاً منذ البداية.