خرج آدم من الجنة، لكن أحفاده استمروا في قضم التفاح!
هل هذا يعني أن الإنسان لا يتعلم، وأن الحياة هي مجرد إعادة إنتاج لنفس القيم الأساسية وإن تغيرت أشكالها وأدواتها؟
السؤال يبدو فلسفيًا، وهذا لا يزعجني لأنني مغرم بالتأملات، صحيح أنني آكل التفاح مثل كل إخوتي في الإنسانية، لكنني من فصيلة نيوتن أحب أن أفكر في التفاحة قبل أن أقضمها، وأحب أن أدرس الظواهر الكامنة وراء أي فعل قد يراه البعض عاديًا وبديهيًا، وكنت في الأسبوع الماضي كتبت مقالا عن الأسباب التي قد تضطر المشير للتقدم نحو قصر الرئاسة، ولمست جانبًا من التداعيات التي قد تنجم عن هذا الترشح، وأعدت نشر مقالي على «الفيس بوك» مسبوقًا بعبارة«تحذير للسيسي: لا تأكل التفاحة»، وهو تعبير مجازي أفكر في الاعتذار عنه لأننا جميعًا شئنا أم أبينا نأكل التفاح كأحفاد للغواية الأولى، ولذلك أستبدله اليوم بسؤال للاطمئنان: هل فكر المشير جيدًا أم أنه يذهب إلى الشجرة تحت ضغط «الضرورة» من دون أن تتيح له هذه الضرورة فرصة كافية للتأمل والتفكير؟
هذا السؤال عن التفكير لا أقصد منه ضغطًا على المشير في الاتجاه المعاكس من أجل دفعه إلى عدم الترشح أو تقييده بوعد تحقيق فردوس أرضي «أد الدنيا» يعوض آكلي التفاح عن فراديسهم المفقودة.
الفلسفة علمتني ألا أفكر بهذه الطريقة، كما علمتني التجارب ألا أخلط بين الواقع واليوتوبيا، لأنني بمنتهى الصراحة لا أصدق الشعارات، أنا أصدق السلوك والمعاملات، فكل الوصايا في الأديان والأخلاق والقوانين تعلم «ابن آدم» ألا يقتل ولا يسرق ولا يظلم، ولا يحقد، ولا.....
لكن هل اختفى القتل، وانتهت السرقات، وساد العدل والحب والتسامح.. إلخ؟
أعفيكم من الإجابة الصادمة، لأن لدي إجابة أقل فجاجة لا تستسهل فكرة صب اللعنات على الحياة، واعتبارها مجرد خطيئة، وبالتالي تبرير فكرة «الضرورة»، وإجابتي تفترض أن العالم بخيره وشره مجرد بيئة ومجال لقياس قدرات الإنسان على مواجهة «الضرورة»، لأن قيمة الشخص تتجلى عبر طريقة استجابته لتحديات الشر والخير معًا، وأنا شخصيًا أراهن كثيرًا على المبادئ والدور والقيمة، أكثر مما أراهن على النتائج والوظيفة والإنجاز، وأرى كما يرى الفرنسيون أن «الشخص هو الأسلوب»، فأنا مغرم بسؤال: «كيف؟ وليس بسؤال ماذا؟».
وللتوضيح.. فإن «سؤال كيف» هو سؤال الكيف وليس الكم.. هو سؤال الفن.. هو سؤال التكنيك.ستقول لي مثلا أنك ستبني إمبراطورية أو أنك ستصير غنيًا. فإذا لم تقرن ذلك بسؤال كيف؟ فهذا يعني أنك قد تقتل لبناء إمبراطوريتك، وأن تسرق لتصير غنيًا، وهذا في الحقيقة هو جوهر مأساة العالم التي صاغها ميكيافيللي في كتاب «الأمير»، والتقطها ساسة انتهازيون يحدثوننا عن الغايات لنكتشف أنها فخ يسرق منا الحياة ذاتها، لأن الحياة في حقيقتها هي المسافة بين ميلاد وموت، الحياة ليست غاية، لأن مداها هو الموت، وبالتالي فإن أي وعد للغد يعني أنك سرقت مني اليوم، فقد علمتني مرارة الخداع أن أشك في باعة المستقبل العابرين، فالرجل الذي مر قبلك، والرجل الذي مر قبله، وعابرون آخرون وعدوني بالكنز، وبسنوات قادمة من الرخاء، ثم أخذوا غلالي وعيالي وظل أيامي وتركوني في العراء والقحط أرضع السراب.
لذلك لم أعد أريد خرائط جديدة لكنوز لا تجيء، ولا أبطالا من الأساطير.. أريد من يشاركني زراعة هذا القحط يدًا بيد وكتفًا بكتف، والمؤسف أنني لا ألمح بوادر أي مشاركة