تأزم الهيئات والمؤسسات في مصر، وترهلها عام بعد عام، جعل من المؤسسة العسكرية كيانَا شامخًا ناجحًا، ليس بالمقارنة بمن سواها فقط، ولكن لقدرتها على الاستقرار والنمو، لاسيما وأن الجناح الاقتصادي لتلك المؤسسة، يساهم بقدر غير ضئيل من الناتج المحلي قُدّر منذ فترة، بحوالي 4%، والمرجّح أن يكون الآن أكثر من ذلك قليلا، الأمر الذي يثبت نجاحها، رغم ما تنعم به تلك الاستثمارات من امتيازات، جعلتها تهنأ بالسلطة والحماية معا في وقت واحد، وهو ما لا تتحصل عليه الاستثمارات الأخرى إعمالا بمبدأ الإنصاف.
وإذا دفعنا النشاط الاقتصادي إلى الاطمئنان نجد أن 40 عامًا مضت لم تسعف الهيئة العربية للتصنيع، التابعة للقوات المسلحة، والمؤَلفة من 9 شركات، في إنتاج قطعة حربية كاملة، لكن في المقابل استطاعت أن تنتج أجهزة منزلية، و«تابلت» مجمّع يحمل عبارة «صنع في مصر»، لكن في المقابل نجحت إيران في صناعة الغواصات الحربية، التي بدأتها عام 2006، واحتفلت في 2013 بإطلاق طائرات حربية بدون طيار، رغم حظر التسليح المفروض عليها.
وبخلاف ما يعتقده آخرون في أن دور القوات المسلحة هو حماية حدود الدولة والشرعية الدستورية، إلا أن ذلك المفهوم يتسع قليلا في وقت السلم ليشمل الحفاظ على الاستعداد القتالي، والكفاءة القتالية، وتأمين حدود، التصدي لما يهدد الأمن القومي، بخلاف المشاركة في رفع المستوى الاقتصادي.
ومع قراءة المفهوم السابق جيدًا لا نجد من بينها المشاركة في الحياة السياسية بكل ما قد يحمله من تبعيات حتمية أو استثنائية لم يذكرها الجيش في عقيدته، وبالرغم من ذلك فجميع من مروا على حكم مصر، قبل عام مرسي، كانوا ذا خلفية عسكرية، ونحن الآن على مقربة من استقبال نفس ذات الحكم، ولا تعني صلاحية المعروض عدم جودته، وحتى وإن عارض التاريخ ذلك فالتجربة ستكون هي المحك الأساسي للحكم على سياسة العسكريين والمدنيين، ولو أن الإنصاف يلزمنا بألا نحكم على تجربة مرسي بأنها حكم مدني بالمرة، إلا أننا نستطيع أن نجزم بأنها الحالة المخالفة لحالة العسكريين.
وإذا استجبنا لجميع المؤشرات الشعبية والإعلامية، التي تؤكد نجاح المشير السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة حالة ترشحه للرئاسة، نجد عودة للعسكريين، وهي التجربة التي أثبتت نجاح نسبي في أسلافه، مدعومة بقوة الجناح الاقتصادي لمؤسسة الجيش، والتي لن تبخل مطلقا في دعم ذلك الابن البار، لكن إذا افترضنا أن الأمور لم تسر على النحو المطلوب، خاصة وأن المراحل الانتقالية في دول ما بعد الثورات، لا تفلح في أن تجد ضالتها في الاستقرار والأمن، والنمو الاقتصادي، فهل نستطيع أن نجزم وقتها بأننا أجهزنا على المؤسسة الوحيدة الآمنة المستقرة ؟!! .. أليس السيسي بشرًا يصيب ويخطئ ؟!.