لا أجد سبباً للانزعاج من تلك الأنباء التى تتوالى هذه الأيام حول عزم بعض الشخصيات العامة الترشح للرئاسة، فى منافسة صريحة للمشير عبدالفتاح السيسى الذى هو المرشح الذى تسعى إليه الجماهير فى المرحلة القادمة.
فربما كان أسوأ ما يمكن أن يحدث للعملية الديمقراطية التى فتحت لها الأبواب ثورة 25 يناير، وأعادت التأكيد عليها ثورة 30 يونيو، هو ألا يترشح أحد أمام «السيسى» على أساس أن أحداً لن يفوز فى مواجهته، فلا تكون لدينا انتخابات بالمعنى المفهوم، ونعود للاستفتاءات الرئاسية التى تجرى لرجل واحد لا ينافسه أحد.
إن قيمة الانتخابات فى النظم الديمقراطية ليست فقط فى أنها تفرز الأغلبية الحقيقية، بتصعيدها المرشح الذى يعبّر عن تأييد الجماهير، فهناك قيمة أخرى للانتخابات لا تقل عن إفرازها الأغلبية، وهى إفرازها الأقلية، فمثلما تحدد الانتخابات أين تقف الأغلبية، على اليمين أو اليسار، أو مع الحكم الدينى أو المدنى، فهى أيضاً تحدد الأقلية وعددها، ومن هنا تتبلور القوة المعارضة التى بدونها لا يستقيم أى حكم يستحق أن يطلق عليه وصف «الديمقراطى».
لذا فالترشح لانتخابات الرئاسة، ممن يعتزمون منافسة مرشح القطاعات الجماهيرية الواسعة، هو استكمال للبناء الديمقراطى كما ينبغى أن يكون، لأن فوز هؤلاء المرشحين ليس هو المهم، وإنما المهم هو مرحلة ما قبل الفوز، المهم هو أن نعرف أين هى المعارضة الحقيقية فى المرحلة المقبلة؟ ومن الذى يمثلها؟ وما هو حجمها الحقيقى؟ هل ستأتى المعارضة من بين جماعات ما يسمى «الإسلام السياسى»، الذى مازال حتى الآن متناثراً بعد الضربة القاضية التى تلقاها فى 30 يونيو؟ وهل سيتمحور هذا الاتجاه حول بعض الأسماء المعروفة مثل محمد سليم العوا أو عبدالمنعم أبوالفتوح؟ أم أن سباق الرئاسة قد يفرز القيادات الجديدة التى تفرض المتغيرات الحالية ظهورها؟
وعلى الجانب الآخر، ما هو الحجم الحقيقى لجماعات النشطاء السياسيين الذين يرفعون لافتات حقوق الإنسان ورفض ما يسمونه «الحكم العسكرى»، ومنهم الكثير من الشباب الذين دفعهم غباء الحكومة دفعاً إلى المعارضة؟ هل هم المعارضة الحقيقية؟ ومن الذى يمثلهم، أهو خالد على مثلاً أم أن هناك قيادات أخرى قد تفرزها الانتخابات؟
باختصار فإن انتخابات الرئاسة، وبفضل من سينافسون «السيسى»، ستكشف الغطاء عن الخريطة السياسية الحقيقية فى المرحلة المقبلة، فمرحباً بكل المنافسين.