حول العلاقة بين «الإخوان» و«أنصار بيت المقدس»! بقلم وحيد عبد المجيد

تثير قضية العلاقة بين قيادة جماعة «الإخوان» والتنظيم المسمى «أنصار بيت المقدس» الذى تبنى معظم العمليات الإرهابية خلال الشهور الماضية، خاصة منذ محاولة اغتيال وزير الداخلية فى 5 سبتمبر 2013، الكثير من الالتباس والخلط.

ويعود الالتباس، فى جانب مهم منه، إلى عدم توفر معلومات كافية لدى معظم المهتمين بهذا الموضوع عن هوية تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذى تتباين التقديرات بشأن تاريخ تأسيسه. والتقدير الراجح هو أنه أُنشئ قبيل ثورة 25 يناير، ولكنه بدأ نشاطه المعلن بعيدها فى أبريل (2011) مركّزا على تفجير خط الغاز الممتد من مصر إلى إسرائيل بالأساس وإلى الأردن أحياناً، قبل أن يتوسع نشاطه عقب إسقاط حكم «الإخوان».

وقد بث هذا التنظيم عدة فيديوهات على موقع «يوتيوب» فى العامين الماضيين تضمنت مشاهد لعمليات قام بها، وأخرى لتدريبات ظهر فيها ملثمون يرتدون زياً موحداً ويلتزمون بدرجة عالية من الانضباط ويقودها مدربون يبدون كما لو أنهم قادة ميدانيون.

وفضلاً عن الانضباط الذى يظهر فى هذه التدريبات، يتميز تنظيم «أنصار بيت المقدس» أيضاً بدرجة عالية من السرية التى تجعل اختراقه صعباً. ولذلك لم تتيسر حتى معرفة هوية أمير هذا التنظيم أو زعيمه. فقد تبين عدم صحة التقديرات المتعاقبة فى هذا المجال، سواء التى ذهبت إلى أنه من أبناء شمال سيناء المعروفين بتاريخهم فى مجال العنف مثل شادى المنيعى وتوفيق فريج (أبو عبدالله)، أو التى افترضت أنه قد يكون من بين الذين أطلق الرئيس المعزول محمد مرسى سراحهم حيث تردد اسم أحمد سلامة مبروك الذى كان محكوماً عليه بالسجن المشدّد فى قضية «العائدون من ألبانيا».

وربما يكون هذا الغموض من أسباب الالتباس فى تقدير العلاقة بين تنظيم «أنصار بيت المقدس» وجماعة «الإخوان»، والذى وصل إلى حد اعتقاد البعض أن الأولى ذراع عسكرية رسمية للثانية. كما بلغ هذا الالتباس مبلغ الخلط أحياناً من خلال اعتقاد البعض فى أن تنظيم «أنصار بيت المقدس» قد يكون وهمياً أو مجرد اسم تستخدمه جماعة «الإخوان» للتمويه.

ولذلك ينبغى تحديد العلاقة بين الطرفين بأكبر قدر ممكن من الدقة حتى لا يتسبب الالتباس والخلط فى إضعاف الجهود الكبيرة المبذولة فى مواجهة الإرهاب. والحال أن هذه علاقة تحالف وثيق بدأت مقدماته فى الشهور الأولى لتولى «الإخوان» السلطة عندما بادروا بالاتصال بتنظيم «أنصار بيت المقدس» ومطالبته بوقف عمليات تفجير خط الغاز الممتد إلى إسرائيل. وهذا يفسر لماذا كان التفجير الذى حدث فى يوليو 2012 هو الأخير حتى سقوط حكم «الإخوان». فكان الاتفاق على وقف عمليات تفجيره جزءاً من تفاهمات وربما صفقة شاملة بين الجماعة والتنظيم لم يُكشف النقاب بعد عن جميع عناصرها.

ولكن القدر المتيقن منها حتى الآن يكفى لتبين قوة التحالف الذى ترتب على تلك التفاهمات التى شملت الإفراج عن عدد كبير من المسجونين فى قضايا إرهاب بموجب أحكام قضائية، وتسهيل دخول قادة وكوادر «جهادية» مصرية وأجنبية، وتيسير وصول أسلحة مهرّبة عبر الحدود الغربية (مع ليبيا) إلى الموطن الأصلى «لتنظيم أنصار بيت المقدس» فى سيناء. كما تضمنت تلك التفاهمات عدم شن أى عمليات أمنية أو عسكرية ليس فقط ضد مختلف تنظيمات العنف فى سيناء وليس هذا التنظيم فقط.

ولذلك فعندما أعدت قيادة الجيش خطة لمواجهة هذه التنظيمات، عقب الهجوم الذى أودى بحياة 16 من جنود حرس الحدود فى 16 أغسطس 2012، وجد مرسى نفسه فى موقف شديد الحرج. فلم يكن ملائماً أن يرفض تنفيذ هذه الخطة التى تخالف تفاهمات «الإخوان» مع «أنصار بيت المقدس». ولذلك وافق عليها وهو يضمر عرقلتها تدريجياً بحجة إعطاء فرصة للتهدئة.

فقد كانت قيادة «الإخوان» حريصة منذ وصولها إلى السلطة على بناء علاقة مع تنظيمات العنف، وأهمها فى المرحلة الراهنة تنظيم «أنصار بيت المقدس» لاحتوائها وتجنب أى تحركات منفردة لها، ثم لكى تكون هذه التنظيمات احتياطياً لها عند اللزوم، فضلاً عن إقناع دول كبرى خاصة الولايات المتحدة وأوروبا بقدرتها على ضبط إيقاع هذه التنظيمات سعياً للتحكم فى حركة الإرهاب العالمى الذى تحسب هذه الدول حسابه.