من المثير للدهشة أن تتحول دفة الصراع من التطلع لتحرير فلسطين إلى خوض حرب مفتوحة مع الجيش المصرى الذى ساند القضية الفلسطينية ومازال يفعل؛ كما تحول صراع التيارات الجهادية مع جماعة الإخوان المسلمين، من كونها تنظيمات قامت على أنقاض الإخوان، التى ترى أنهم لا يعون الواقع وليست لديهم رؤية للمستقبل، فضلاً عن طريقتها فى التغيير البطىء مستخدمة أدوات تراها هذه التنظيمات فاسدة من الناحيتين العقلية والدينية معاً، إلى جماعات وتنظيمات تقف وتدافع عن الجماعة التى تكفّرها ليلاً ونهاراً.
ولعل هذه المعادلة تكمن فى خطين سارت فيهما جماعة الإخوان المسلمين عقب 30 يونيو أولهما أنها حولت الصراع السياسى إلى صراع دينى، ونجحت فى إيهام التيارات الجهادية أن حرباً تشنها مؤسسات الدولة ضد الإسلام متمثلة فى ضرب الإخوان، والأمر الثانى أن جماعة الإخوان وفرت غطاءً لهذه التيارات وبيئة حاضنة للعنف، ففوجئنا بأن الإخوان لم يدينوا عمليات العنف التى قامت بها «أنصار بيت المقدس» من خلال بيان رسمى إلا عملية تفجير مديرية أمن القليوبية وما بعدها؛ بما يعنى الشراكة النسبية فى الجريمة.
المؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين عندما كانت على رأس السلطة أقامت تفاهمات مع أنصار بيت المقدس بعدما أوفدت «الرئاسة» مجدى سالم، أحد قيادات جماعة الجهاد، ونزار غراب، أحد المتهمين فى تنظيم طلائع الفتح، ومحمد الظواهرى، شقيق زعيم تنظيم القاعدة، للتفاوض مع «بيت المقدس» بعد خطف 7 من الجنود المصريين فى مايو 2013، على خلفية الأحكام التى صدرت فى حق 14 من قيادات جماعة التوحيد والجهاد فى أغسطس 2012.
ويمكن الحديث فى هذا الإطار فى أمرين، أولهما أن «مرسى» أوقف العملية نسر التى شنتها القوات المسلحة على أوكار التنظيم فى سيناء، والأمر الآخر أنه نجح حقيقة فى التفاوض مع هؤلاء الجهاديين، وكانت النتائج الإفراج عن الجنود المصريين مقابل عدم تصديق الرئيس على أحكام الإعدام لأعضاء التوحيد والجهاد والذين يمثلون نواة تنظيم أنصار بيت المقدس، وهو ما حدث بالفعل، وتوقف التنظيم عن تنفيذ عملياته قبل ترك مرسى السلطة بأحد عشر شهراً، ثم تحول نشاطه من مجرد ضرب خطوط الغاز فى سيناء وضرب دوريات للشرطة الإسرائيلية على الحدود المشتركة أو إطلاق صواريخ على جنوب إسرائيل إلى استهداف قوات الأمن الداخلية والقوات المسلحة. أراد مرسى أن يثبت أنه قادر على احتواء الجهاديين فى مصر؛ وهو ما استطاع ترويجه لدى الأمريكيين للموافقة على ترشحه على منصب الرئاسة، فأتاح لهم الطريق للتمدد وإقناع أنصار جدد بالانضمام للتنظيم، فضلاً عن تصريحاته التى أدلى بها وكانت تعبر عن احتضان لهذه التيارات على خلفية اختطاف الجنود السبعة، عندما قال: «إن مهمتى الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين»!
والأدل على علاقة الإخوان بهذا التنظيم أولاً التحول الاستراتيجى فى عمليات هذا التنظيم ضد مؤسسات الدولة بعد 30 يونيو، وثانياً توقف التنظيم عن عملياته المسلحة ضد إسرائيل فى يوليو 2012 أى قبل عزل مرسى بقرابة 11 شهراً كاملاً، وهذا يعنى بمنطق العقل أن اتفاقاً مبرماً عقدته الرئاسة ووافق عليه الجهاديون، وهو عدم تنفيذ عمليات مسلحة ضد إسرائيل مقابل عدم التصديق على أحكام الإعدام التى صدرت فى حق قياداتهم والوعد بإعادة المحاكمة؛ وهو ما أتاح لهم الفرصة بالتمدد والعمل بأريحية داخل شبه جزيرة سيناء؛ حتى أصبح القضاء عليهم أمراً يستلزم خسائر بشرية ومادية يدفع الوطن ضريبتها للتحرر، وهو ما يدفعنا للتساؤل عما إذا كان هذا التنظيم نشأ للدفاع عن أنصار بيت المقدس أم للدفاع عن الإخوان؟