زارنى وفد من بعثة مراقبة الاستفتاء التابعة للاتحاد الأوروبى، وكانت أول ملاحظة أبدوها هى أن الحملة الانتخابية الخاصة بالدستور كانت أحادية الجانب، فقد طالعتهم منذ وصولهم إلى مصر لافتات فى جميع الشوارع تدعو الناس للتصويت بـ«نعم»، لكنهم لم يجدوا حملة أخرى للمعارضين للدستور.
قلت: قد تُقبل ملاحظتكم هذه لو جاءت من السواح الذين جاءوا يتفرجون على الآثار، لكن يدهشنى أن تأتى ممن يفترض أنهم جاءوا ليدرسوا وينقبوا ولا يكتفون بمتابعة لافتات الشوارع.
لقد كانت هناك حملة قوية معادية للدستور وللاستفتاء ولكل ما جاء بعد سقوط الإخوان، وقد بدأت هذه الحملة قبل حملة التأييد التى شاهدتم لافتاتها فى الشوارع، وذلك بمحاولة تشويه الدستور ومهاجمته بما ليس فيه، والادعاء بأنه دستور الإلحاد الذى يسعى لخلع الإسلام من مصر، والهجوم على اللجنة التى وضعته، والتشكيك فى صحة تشكيلها وفى صحة إجراءاتها.. وحين فشلت هذه الحملة، لأنها كانت مبنية على أكاذيب لم يصدقها أحد، وأنجزت اللجنة عملها واكتمل الدستور، تطورت الحملة إلى دعوة المواطنين لمقاطعة الاستفتاء حتى لا تجىء المشاركة فيه بنسبة أعلى من الدستور السابق، لكن إزاء حماس المواطنين للنزول والمشاركة، تحولت الحملة إلى دعوتهم للتصويت بـ«لا»، وقد اعتمدت هذه الحملة على مخاطبة المواطنين بشكل مباشر فى تجمعاتهم الطبيعية، كما لجأت لطَرق أبواب المنازل فى الأحياء الشعبية ومحاولة إثناء سكانها عن التصويت الإيجابى للدستور.
ثم بعد أن بدأ الاستفتاء، رغم كل شىء، واتسمت المشاركة فيه منذ ساعاتها الأولى بكثافة غير مسبوقة، تحولت الحملة إلى أعمال العنف والإرهاب لترويع المواطنين ووقف زحفهم نحو لجان التصويت.
وقلت لأعضاء البعثة الأوروبية: ورغم أن صحفكم الغربية لم تنقل أياً من هذه الأحداث إلا لماماً، فإن الصحف وأجهزة الإعلام المحلية تابعت تلك الحملة منذ بدايتها، ونقلت تصريحات القيادات التى هاجمت الدستور، كما نقلت أعمال العنف التى قاموا بها، أى أن هذه الحملة المضادة للدستور بمراحلها الثلاث مدونة ومسجلة للتاريخ، وكنت أتصور أنكم ستتابعونها ولا تكتفون بلافتات الشوارع التى كان معظمها من مواطنين عاديين متحمسين لدستور جديد يرون أنه سيخطو بالبلاد نحو المستقبل الذى يتطلعون إليه.