هذا مقال نشرته فى «المصرى اليوم» يوم الثلاثاء «25-1-2012»، وفيه تأكيد لا لبس فيه أن الإخوان سيحكمون مصر عكس ما يقولون، وسيسقطون عن حكمها سريعاً، لكن مصر ستدفع ثمناً باهظاً.
هذا المقال ليس عبقرية أو تنجيماً من كاتبه، ولكن لأن «الإخوان» كأى عصابة لها تاريخ إجرامى، يجعل من يتتبعها يعرف خطوتها التالية ويتوقع جريمتها المقبلة.. هنا المقال مختصر لدواعى المساحة:
نجحت جماعة الإخوان فى أن تكون «بديلاً سريعاً» عن حزب الأغلبية فى النظام السابق. كان طبيعياً أن تحتل المرتبة الأولى، باعتبارها كانت تصنف نفسها فى خانة «المعارض الأول» للنظام السابق، وتقدم نفسها على أنها من ضحاياه. استثمرت الجماعة «آلامها» التى ظلت لسنوات تروج لها، وتبرزها باعتبارها «قصة كفاح». نعرف بالضرورة أن سقوط أى نظام يأتى بالمعارضة بديلاً، حتى لو كانت هذه المعارضة شريكاً للنظام الساقط، أو أكثر سوءاً وفساداً منه، وهذا هو العيب الأكبر للثورات الشعبية، التى لا تأتى غالباً بمن صنعوها ليحكموا، إنما تأتى بالبديل الجاهز الذى كان يتحين الفرصة لينقضّ على الحكم.
كان الإخوان، ومازالوا، يصدّرون معاناتهم وآلامهم مع نظام «بغى وطغى»، ونجحوا فى ذلك، مع أنك يمكن أن تتحفظ كثيرا على العلاقة بين «الجماعة» و«النظام السابق». تلك العلاقة التى اعتمدت كثيرا مبدأ «الأخذ والعطاء». الإخوان عاشوا طويلا تحت سحر «قصة الألم»، وبها حصلوا على الدولة المصرية عن طيب خاطر الشعب. الإخوان ضخّموا بشكل مفرط «قصة الألم» وتعرضهم للظلم والتعذيب طوال تاريخهم. نجحت الجماعة وفقا لهذا السيناريو، وليس وفقا لبرنامج سياسى أو رؤى مستقبلية، إذ إنها لن تقدم جديداً على صعيدى الاقتصاد والسياسة، فهى حتى الآن تسعى سعى الحزب الوطنى.
وإذا كان الإخوان استثمروا آلامهم- بفرض أنها صحيحة- استثماراً جيداً، فماذا هم فاعلون بعدما يصلون إلى السلطة؟ هل سيحدثوننا عن تضحياتهم وجهادهم الأكبر فى «حكم البلاد»؟ بالتأكيد سيفقد الإخوان ميزة كبيرة طالما كانوا يعتبرونها العصا التى يتوكأون عليها، وهى «قصة الألم».
وإذا كانت مصر تنتظر أن يبدأ برلمانها الجديد أعماله، فإن «الهم الأكبر» والمعاناة الحقيقية بدأت مع الإخوان، وتقديرى أن كل تاريخهم كوم واليوم كوم ثانٍ. مصر تحتاج أفكاراً جديدة ومبتكرة للخروج من الأزمة.. الإخوان لا يستمعون إلى أحد، ولا يهمهم الرأى الآخر، تماما كما كان يفعل الحزب الوطنى، بإقصاء وتهميش الآراء المعارضة لسياسته.
البرلمان بدأ أعمال أمس وجماعة الإخوان هى المسيطر والمهيمن على المشهد السياسى، وعليها أن تنسى قصة الألم التى روجت لها سنوات، فالألم القادم أشد قسوة وعنفاً من كل ما فات، وربما تفقد الجماعة وجودها تماماً فى الحياة السياسية لأنها مقبلة على تلال من المشاكل وتريد حلها على طريقة الحزب الوطنى. المشكلة ليست فى أن «الجماعة» ستخسر، المشكلة أننا سندفع الثمن مجددا، وأن مصر كلها ستدفع ثمن السياسات الخاطئة. وأول هذه الأخطاء هو الانفراد بالرأى، والهيمنة التامة على السلطة. فالجماعة وضعت نصب عينيها الوصول إلى «السلطة» باعتبارها غاية، وليست وسيلة لتطبيق سياسات وتحقيق أهداف تنقل المجتمع من خانة الركود والتخلف إلى خانة الدولة المتحضرة التى تعتمد القانون منهجاً والعلم طريقاً.
الوصول إلى الحكم لن يكون ميزة عظيمة للإخوان، لأن السلطة كانت غايتهم وسيعضون عليها بالنواجذ، مقابل يقظة شعبية لن تسمح لهم بالبقاء طويلاً، وغياب تام لـ«قصة الألم»، التى نقلتهم من وضع المتألم الذى يثير التعاطف إلى وضع المتحكم الذى يجلب الغضب.