ذهبت جماعة الإخوان من الحكم إلى غير رجعة، بفضيحة عالمية مدوية، ورفض شعبى طاغ، وفشل ذريع فى قيادة مقاليد حكم، قضت الجماعة تاريخها فى السعى خلفه، ذلك الفشل الذى يتحمل مسؤوليته مكتب إرشاد الجماعة، باستعلائه، و«خيابته»، وانعدام مقدرته على اختيار الحلفاء والأعداء وطبيعة المعارك وتوقيتاتها، ومن أمارات «خيابة» الجماعة أنها تعزى فشلها فى حكم مصر إلى «عدم تعاون أجهزة الدولة» مع الرئيس المعزول مرسى! جدير بالذكر أن الجماعة كانت قد احتفظت بأغلب رجال مبارك فى أماكنهم، بل إن حديثا نقل عن خيرت الشاطر يؤكد فيه أن رجال أمن الدولة الذين خدموا مبارك، سيسهل استخدامهم لخدمة الجماعة و«اللى عملوه مع مبارك حيعملوه معانا عشان إحنا حنديهم امتيازات».
كانت آفة الجماعة فى ربط الذكاء بالدناءة حين تذاكت الجماعة، ارتكبت أكبر الحماقات التى قضت عليها إلى الأبد، وكنت قد كتبت على حسابى على التويتر إبان حكم الإخوان الجملة الآتية: جماعة الإخوان المسلمين أسسها حسن البنا عام 1928، وأنهى عليها خيرت الشاطر عام 2011. لهذا خلق الله الندم. وأيضا: لهذا خلق الله البله.
إذا كانت الجماعة سقطت بسبب فشلها الذريع، وخيابتها، وعدم قدرتها على التمييز، فكيف بالله يصدق الناس هذا الهوس الإعلامى الذى يلصق كل فشل، وكل مشكلة، وكل أزمة، مهما كانت صغيرة بـ: مؤامرة الإخوان؟ «أزمة مرورية سببها جماعة الإخوان المسلمين». «أزمة قطع الكهرباء سببها الجماعة الإرهابية». بل إن إحدى الصحف نشرت خبرا مفاده أن الدولة اكتشفت، من خلال عدادات الكهرباء، أن جماعة الإخوان تتواطأ لزيادة الأحمال على الكهرباء! وكيف تمكنت الدولة من فحص العداد، وقناعاته، وانتماءاته السياسية؟ وهل تمكن المحقق من الضغط على أحد العدادات للاعتراف على بقية العدادات من زملائه؟
لا شك أن تعليق الفشل والأزمات على جهة أخرى، بدلا من مواجهة الأسباب الحقيقية، هو السبيل الأيسر لدفع أذى الجماهير وغضبهم - حاكم الجماهير المصرية مؤذية مؤذية يعنى - إضافة إلى ذلك، فإن لصق الأزمات والمحن على العدو الذى يتم مواجهته، واتخاذه ذريعة لاتخاذ إجراءات قمعية برضا الجماهير، هو حل سحرى.
إلا أن اللجوء إلى هذا الحل السهل لن يدوم أثره طويلا، وقد يأتى، على المدى البعيد، أو القريب إلى حد ما، إلى نتائج عكسية، كأن يصاب الناس بما يسمى برهاب الإخوان، وهو ما يخدم الجماعة أكثر مما يشحذ ضدها، فنصف قوة القوى تكمن فى اعتقاد خصمه بقوته التى لا تقهر، يعنى حضرتك أنا لو من الإخوان أقول: آه على فكرة أنا اللى باقطع النور، وباعطل الطريق، وخرمت الأوزون، ولعلمكو عفاريت الإخوان لبست نسوانكو عشان كده عنسوا. لأن ذلك سيقنع العامة بأنهم قوة لا تقهر، ومن ثم فإن الخضوع لهم واجب، وقد ينتج عن هذا الحل شعور بالشفقة لدى مجموعة أخرى من الناس حيال الجماعة. وإذا كانت الجماعة بهذه القوة التى تمكنها من تركيع البلاد، فلماذا ذهبت عن الحكم بعد عام واحد؟ ولماذا لم تستخدم قواها الخارقة لدحر خصومها أثناء وجودها فى الحكم وكان ذلك أفضل جدا من تأجيل جبروتهم الذى لا يهزم لما بعد خروجهم من الحكم؟ لماذا كل هذا الاستخفاف بعقول الناس؟
الحكمة التى لم تتعلمها الجماعة، ولم يتعلمها من يخلفها، أن اللا أخلاقية لا علاقة لها بالذكاء والسياسة، وأن الصدق منجاة، وأنه ثبت علميا أن الالتزام بما يمليه عليك ضميرك يؤدى إلى ذات النتائج التى يقودك إليها الالتزام بما يمليه عليه عقلك.
ألا ليت قومى يعلمون.