اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لن يحل مشكلة الإخوان المسلمين، ولن يفكك تنظيمها، ولا يمكن للخيار الأمنى على أهميته أن يكون حلاً وحيداً لأزمة تنظيم مستمرة منذ 85 عاماً، مارس العنف أحيانا والاستكانة فى أغلب الأحيان.
معضلة مصر مع الإخوان فى أن هذا التنظيم تعامل مع المجتمع إما عبر مرحلة الاستضعاف أو التمكين، ولم يحاول ولو لمرة واحدة أن يكون تنظيماً طبيعياً مثل خلق الله، فلا ينافق المجتمع والسلطة حين يكون فى موضع ضعف ولا يستقوى عليهم ويلفظهم حين يصبح فى موضع قوة.
اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية وحظر أنشطتها نتيجة ممارسة بعض عناصرها الإرهاب، وإصرارها على أن تكون جماعة سرية وخارج أى إطار قانونى وهى فى السلطة وفى المعارضة هو سابقة غير متكررة فى تاريخ أى تجربة فى العالم.
وإذا كان من المؤكد أن هناك تياراً واسعاً من المصريين يرفض وجود جماعة الإخوان المسلمين، ويعتبرها ارتكبت جرائم بحق الوطن تستوجب العقاب والمحاسبة، إلا أن فكرة المواجهة بالحظر وتصور أنه وحده قادر على حسم معركة الإخوان أمر بعيد عن الصواب.
إن نظام مبارك قال إنه حارب الإخوان ووصفها بـ«الجماعة المحظورة»، وواجهها بالأمن لا السياسة، واعتبرها الخطر الأعظم الذى يهدد مصر، ولم يترك الراحل عمر سليمان فرصة إلا وتحدث عن نوايا الإخوان الشريرة فى «ركوب» ثورة 25 يناير، وفى نفس الوقت تركوا السلطة والبلاد ليس بها أى قوى سياسية منظمة إلا الإخوان، رغم المواجهة الأمنية والحظر القانونى.
مفارقة عصر مبارك تقول إن العهد الذى قال للمصريين إن الخطر الأكبر الذى يهددهم هو جماعة الإخوان المسلمين تركهم وهم لا يرون أمامهم إلا تنظيم الإخوان القوى والمتماسك والمنتشر فى كل نجوع مصر، فى حين تهاوى الحزب الوطنى، فى أيام قليلة، وبقيت شبكة مصالحه.
يجب ألا يتصور البعض أن الحل فى أن تنتقل صفة الجماعة من «المحظورة» إلى «الإرهابية»، أو فى تركها مرة أخرى تعمل «فوق» قوانين الدولة، كما جرى فى عهد المجلس العسكرى ومرسى، إنما الحل هو فى التعامل مع الجميع بمن فيهم الإخوان بقوة القانون، الذى لا يسمح لجماعة دعوية دينية أن تعمل فى السياسة، ولا يسمح لحزب بأن يكون مجرد ذراع لجماعة، أو رئيس جمهورية مجرد ممثل لمكتب إرشاد جماعة سرية، ولا يقبل بوجود جماعة مارس وحرض كثير من قادتها على العنف والإرهاب.
حظر الإخوان لن يقضى على الإخوان، ولكنه قد يساعد فى دفع بعض عناصرها إلى بناء تيار جديد يخرج من عباءتها، ويؤسس مشروعاً جديداً قد يقبله الناس أو يرفضه، فهذه ليست القضية، إنما المهم أن يكون هناك قانون يفصل بين الجماعات الدينية والدعوية وبين الأحزاب والتيارات السياسية، ويلزم الجميع باحترام قواعد الديمقراطية والدستور المدنى والمواطنة، ولا يترك الأمور مستباحة مثلما جرى على مدار ما يقرب من 3 سنوات.
هناك من يتصور واهماً أنه يمكن القضاء على تيار أو فكرة بالمواجهة الأمنية فقط، والواقع أن فى مصر قوى وبنى اجتماعية كثيرة محافظة، وأن تيار الإسلام السياسى كان أحد تعبيراتها، والتحدى هو كيف تترجم توجهات هذه البنى فى أحزاب سياسية إسلامية مدنية وديمقراطية، وليس «إخوانية»، وهو تحد واجههه كثير من المجتمعات، ونجح بعضها فى ذلك مثل تركيا والمغرب وربما تونس، وفشل بعضها الآخر كمصر والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها.
ومن هنا فإن الحل فى تفكيك صيغة الجماعة نفسها بمشروع فكرى وسياسى بديل وليس فقط بالمواجهات الأمنية.