وظيفة الرئيس فى مصر مهنة خطرة، وكل الرؤساء السابقين طاردتهم لعنة المنصب أحياءً أو أمواتاً، وانقلب العز إلى ألم ومعاناة والسلطة إلى نقمة.. الملك فاروق ثار عليه الضباط الأحرار وطردته الثورة خارج البلاد، واتُهم بالفساد وشطبت صوره من أفلام السينما، ومنحته الثورة لقب الفاسد مثل المخلوع والمعزول.. وعبدالناصر شرب من نفس الكأس التى سقاها لفاروق، فمشى السادات على خطه بأستيكة، وأعطى ضوءًا أخضر لفتح ملفات التعذيب والسجون والمعتقلات ومراكز القوى وأفلام «الكرنك» و«إحنا بتوع الأتوبيس».. والسادات كان الأسوأ حظا واغتالته يد الإرهاب فى المنصة، لأنه تصور أنه يحتمى من الوحش بالوحش فأكله الوحش، ومبارك هو الأكثر مأساوية بعد أن تمت شيطنته وتسويد تاريخه وأعماله، بجانب بهدلته فى المحاكم وتشريد نجليه فى السجون.. وكان آخرة صبر المصريين المعزول مرسى الذى ارتكب فى عام كل مساوئ حكام مصر فى مائة عام.
المصريون يصبرون على حكامهم مثل الجمال ولكنهم لا ينسوا شقاءهم مع الفقر والمرض والبطالة والإساءة والإهانة، رغم أن كل حكام مصر كانوا يعدونهم بالخير والرخاء، فلم يجدوا غير البؤس والشقاء، لذلك لم تعد تنطلى عليهم أكاذيب الرؤساء التى كانت تأخذ منهم الحرية من أجل رغيف العيش، فلم ينالوا الحرية ولا العيش، وصار صعباً بعد ثورتين خداعهم بشماعة الظروف الصعبة التى يمر بها الوطن فربطوا الحزام حتى استغاثت البطون، وأصبحت حياة المصريين يوم مر ويوم أكثر مرارة. ينتقم المصريون من رؤسائهم لأنهم لم يختاروهم بطريقة ديمقراطية، بل هبطوا عليهم جميعا بلا استثناء، من سماء شرعيات «ثورية» أو «دينية» تتحول بمرور الوقت إلى ديكتاتورية وقبضة حديدية، وما أخطر أن تحكم الشعوب بالقهر الدينى أو القمع السياسى، وكان السائد قبل 25 يناير أن رئيس مصر لا يترك الحكم إلا بالموت أو الموت، ثم انفتحت شهية الناس على التغيير، واكتشفوا أن «خَلع» الرؤساء أسهل من «خُلع» الأزواج، فأطاحوا بمرسى الذى تصور أن مصر مجرد عزبة يرثها هو وجماعته وأهله وعشيرته، والدرس المستفاد من ذلك أن أى رئيس قادم، يجب أن يراعى الله والوطن والشعب، ولا يدخل مصيدة المنافقين الذين يهتفون له «بالروح بالدم»، فهؤلاء ليس عندهم روح ولا دم، ويخلعون ألقاب الزعامة والتقديس على من يجلس على الكرسى، وهم أول القافزين من السفينة والشعبطة فى السلطة القادمة. المصريون تغيروا مثل الزمن المتقلب، ولم يعد يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب، وأصبح كل مصرى فى التسعين مليونا يريد رئيسا على مزاجه وحسب الطلب، وكان الله فى عون الرئيس القادم الذى تواجهه تحديات تنوء عن حملها الجبال، وتحاصره مطالب تحتاج لتحقيقها مائة عام، وفوق هذا وذاك أصحاب الأجندات الخاصة والمطامع الشخصية الذين يلعبون بطريقة «فيها لا أخفيها»، ويلعبون فى الخطوط الخلفية للضمير الوطنى، فيعكرون صفو الحياة ويجعلون البلاد باستمرار فوق صفيح ساخن، حتى يكون لهم دور ويُسمع لهم صوت، فمن هو الرئيس الفدائى الذى ينجح فى تلك المهمة الانتحارية، ويمكن أن يقود البلاد فى السنوات الصعبة القادمة، ثم يخرج من القصر إلى منزله - بعد انتهاء فترة حكمه - آمناً مطمئنا سالما، ولا يقضى بقية حياته فى طرة أو برج العرب.