الفريق أول عبدالفتاح السيسى.. ليست لدى طريقة مباشرة للتواصل معك، وربما لا أريد، ولا أحمل موقفا عدائيا ضدك، بالتأكيد لدى ملاحظات وتساؤلات وعلامات استفهام متعددة وكثيرة، أحيانا أفسرها ضدك، وأحيانا أفسرها ضد من حولك، أو من يحاولون أن يقولوا إنهم حولك، وأحيانا لا أصل إلى إجابة أو قناعة محددة..
وأعلم أن هذه الرسالة ربما تكون محل نقد، من مؤيديك، وبنفس القدر من معارضيك، فقد وصلنا إلى حالة مجتمعية – للأسف – ترى أن من ليس معها بالضبط فى الموقف فهو على النقيض منها، ويحاول البعض مرة أخرى أن يضعونا جميعا إما فى سلة (مؤيدى السيسى) أو (مؤيدى الإخوان) وكأن لا ثالث لهما. أعلم وأقدر تماما حجم الضغوط عليك، كى تقرر الترشح لموقع الرئاسة، وأتفهم أيضا أنه كما أن هناك أسبابا لرفض هذه الضغوط فإنه أيضا هناك أسباب وربما مخاوف تدفع لقبولها، وقد تقرر ما يناديك البعض له باعتباره واجبا عليك، أو استكمالا للجميل (وبالتأكيد تدرك كما ندرك أن مصر وشعبها أصحاب الجميل الحقيقى على الجميع)، بينما يراه آخرون تأكيدا لفكرة الانقلاب والسعى للسلطة.
لكن، أرجو أن يكون واضحا ومتفهما، أننا كنا وما زلنا، نرى أن الثورة كى تكتمل، تحتاج لأن تصل للسلطة، وأن تحكم الثورة فعلا، وكنا وما زلنا نرى أن مؤسسة الجيش بتاريخها الطويل، ورغم بعض الانتقادات والملاحظات بالتأكيد، لا ينبغى لها ولا لقادتها أن يكونوا طرفا فى العملية السياسية، وأن مصر الولادة قادرة على أن تقدم لموقع الرئاسة شخصا مدنيا ثوريا يستطيع إدارة دفة البلاد والسير بها باتجاه تحقيق أهداف العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطنى.
وأرجو أيضا أن يكون واضحا ومتفهما، أننا ندرك تماما أن هناك صراعا ضاريا بين أجنحة متعددة ومختلفة، وأصحاب مصالح ووجهات نظر متعددة، فى جميع مؤسسات الدولة وفى جميع أرجاء المجتمع، لكن الرهان الحقيقى، الذى لا بد أن ينتصر له كل من ينظر للمستقبل، هو أن هناك جيلا جديدا فى هذا الوطن، قمع كثيرا وكبت كثيرا وسفه من دوره كثيرا، وأثبت منذ 25 يناير وحتى الآن، أنه يستحق الرهان عليه، صحيح أنه تعرض لحملات تشويه ضارية، وصحيح أنه لم يستطع حتى الآن تقديم نموذج جاد للبناء والتنظيم، لكنه قادر على ذلك، وهذا الجيل هو صاحب المستقبل الحقيقى، وهو قادر على بناء مصر حقا، إذا ثبت له أن هناك من يمتلك إرادة ورغبة تحقيق أهداف الثورة، وإذا توفرت له أجواء المشاركة الجادة لا الديكورية فى القرار وصنع المستقبل..
هذا الجيل هو من يستحق الرهان عليه، وهذا الجيل هو من يقول بوضوح فى أغلبه الأعم أنه يريد أن تحكم الثورة، وأن تجد مصر رئيسا مدنيا من معسكر 25 يناير – 30 يونيو فى موقع الرئاسة، ورموز وطنية وشبابية من نفس المعسكر فى موقع التشريع والرقابة. سيادة الفريق السيسى، تتحمل كما نتحمل جميعا، جزءا من مسؤولية ما تعانى منه مصر الآن، لديك أخطاؤك بالتأكيد، وهى أكبر بحكم موقع مسؤوليتك، وكلنا معا ربما لسنا السبب المباشر أو الوحيد فيما وصلنا إليه، فهناك طرفان هما نظام مبارك وجماعة الإخوان يتحملان المسؤولية الرئيسية فيما وصلت إليه البلاد، الأول بسياساته على مدار 30 عاما، والثانى بممارساته على مدار عام من الحكم، والأسوأ ما فعلوه ويفعلونه حتى الآن بعد 30 يونيو..
لكن ما أريد أن أقوله لك بوضوح، لا تحصر مؤيديك، أو على الأقل الكتلة الأكبر منهم سياسيا، فى بقايا نظام مبارك، ولا توسع دائرة خصومك لما هو أبعد من الإخوان.. وأقصر طريق لذلك، هو أن تثبت على موقفك، وترفض الترشح لموقع الرئاسة والانغماس فى السياسة، لأن دورك الحقيقى الذى قدمت نفسك من خلاله، والذى تحتاجك مصر وشعبها وثورتها فيه، هو موقع وزير الدفاع، الذى يحمى ولا يتدخل، يواجه ولا يعادى. الثورة تحتاجك وزيرا للدفاع، والجيش يحتاجك وزيرا للدفاع، والديمقراطية تحتاجك وزيرا للدفاع..
أما إذا قررت غير ذلك، فهو حقك، كمواطن مصرى، لكن وقتها نرجو أن يكون واضحا أننا إذا كنا ضدك، فهذا لا يعنى عداءنا للجيش، ولا يعنى حتى عداء لشخصك، وإنما يعنى دفاعا عن رأينا وموقفنا، وتصورنا لما هو أصح وأنفع، للوطن والثورة، قبل أن يكون تصورنا لأشخاص أو مصالح أو سعى لسلطة كما قد يتصور البعض، فلسنا طلاب سلطة، ولسنا ساعين لموقع، وإنما فقط لاستكمال ثورة قدم الكثير أرواحهم ودماءهم من أجل تحقيق أهدافها واستكمالها، وسيبقى ذلك خطنا وهدفنا دائما حتى تنتصر الثورة وتحقق أهدافها.
الفريق أول عبدالفتاح السيسى.. نعم شعبيتك واسعة لا أحد يستطيع إنكار ذلك، لكن دائرة منتقديك ومعارضيك – ولا أقول من يعادونك – تتسع، وستتسع أكثر وأكثر كلما اقتربت من دائرة ما يدعوك له كثيرون الآن، ولا استطيع بالتأكيد التعميم، لكن أقول لك بوضوح شديد، كثير ممن ينادونك لذلك، من أصحاب المصالح الذين يريدون اتخاذك عنوانا لاستعادة نفوذهم ووجودهم، فإذا قبلت بندائهم، فاعلم أنهم أول من سيسعون ليكونوا حولك، وإذا استجبت لما يسعون له بعد ذلك، فاعلم أن الثورة لم تنتصر.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.