على الرغم من الجدل والنقاش الذي يدور حاليا حول نصوص الدستور الجديد ، والجهود التي تبذل هنا وهناك إما لتسويق مواد هذا الدستور والكشف عن جمالياته وإنجازاته أو بالكشف عن تناقضاته وسلبياته ، إلا أني أستطيع أن أؤكد باطمئنان كامل أن معركة الدستور الحالي هي أبعد من النصوص ومن المواد التي احتواها ، فالمعسكر الذي يدافع عن الدستور ليس مشغولا بإبراز إيجابيات النصوص بقدر ما هو مشغول بالتأسيس لشرعية جديدة تمحو ذكرى الشرعية التي يعتصم بها الرئيس المعزول وأنصاره ، وعلى الجانب الآخر فإن حملة الرفض المطلق للدستور الجديد والدعوة لإسقاطه لا تتصل كثيرا بنصوصه أو بنقص فيه ، رغم كل ما يقال في ذلك بحق أو بباطل ، بقدر ما تتصل بالقلق من أن تمرير هذا الدستور ونجاحه يعني أن صفحة شرعية محمد مرسي ومرحلته قد طويت ، وأن النظام الجديد يستطيع أن يبني علاقات دولية وهو مطمئن باعتباره حاصلا على شرعية شعبية من خلال "الصندوق" وليس شرعية غائمة وغامضة مثل التي حدثت في 30 يونيو ، بل إن نجاح أنصار الدستور الجديد في تمريره سيضفي شرعية كاملة أمام العالم الخارجي على أن ما حدث في 30 يونيو هو ثورة شعبية ، بدليل أن الإرادة الشعبية الديمقراطية من خلال الصندوق صدقت عليها ، وبالمقابل فإن فشل التصويت على الدستور الجديد أو التصويت ضده وهزيمته أمام الصندوق لا يعني فقط فشل هذه النصوص التي أعدتها لجنة الخمسين ، وإنما يعني تأكيد سحب الشرعية من كل الإجراءات التي تمت بعد 30 يونيو . هذه هي المعركة في صلبها وجوهرها وحقيقتها ، بدون لف أو دوران ، ومن ثم تعتبر هذه المعركة هي الأخطر على جميع الأطراف منذ أحداث 30 يونيو ، وبالتعبير الدارج يمكن وصفها بأنها معركة حياة أو موت بالنسبة للطرفين ، لماذا ، لأن الإخوان وأنصار الرئيس المعزول إذا نجحوا في حشد التصويت ضد الدستور فخسر نسبة الخمسين في المائة زائد واحد أو نجحوا في حملة المقاطعة لجعل التصويت هشا جدا وضعيفا ، فإن ذلك يمثل دعما قويا وحاسما لرؤيتهم التي ينشرونها في المجتمع الدولي بأن ما حدث في 3 يوليو كان انقلابا عسكريا وأن الحشود الشعبية كانت مبالغا فيها وأن غالبية الشعب مع الرئيس المعزول بدليل أنه في أول استحقاق انتخابي ديمقراطي حقيقي صوت الشعب ضد كل ما حدث ، باعتبار أن التصويت ضد الدستور يعني التصويت ضد مجمل الإجراءات التي تمت منذ 3 يوليو ، بما في ذلك عزل مرسي وتنصيب رئيس مؤقت والحكومة المؤقتة والإعلان الدستوري وكل ما تمخض عن ذلك من قرارات ، وأما في حالة إذا ما مر الدستور الجديد بنسبة تصويت لا تقل عن النسبة التي حصل عليها دستور مرسي 64% تقريبا فإن هذا يمثل انتصارا لرؤية النظام الجديد الذي تشكل بعد 3 يوليو من أنه يمثل إرادة شعبية حقيقية وأن الذين صوتوا للدستور هم صوتوا ـ بالتأكيد وضمنيا ـ لكل الإجراءات التي أفضت إليه ، فهو تصويت على شرعية الرئيس الذي دعا للاستفتاء واللجنة التي أعدته كما أنه تصويت على الموافقة ضمنا على عزل مرسي وتعطيل الدستور وحل مجلس الشورى بالتبعية ، وأما إذا تم تمرير الدستور بنسبة تصويت منخفضة ، مثل 55% أو أقل ، فإن هذا سيمثل إجازة دستورية لاستمرار النظام الجديد لأنه فاز فعليا باستحقاق انتخابي ، ولكنه من الناحية المعنوية سيمثل خسارة وطعنا في مصداقية القول بأن إرادة شعبية كاسحة تدعمه ، كما سيفتح الباب على مصراعيه للتشكيك في رقم الملايين التي خرجت لتأييده في 30 يونيو أو بعده ، وكذلك سيطعن في حكاية الملايين التي تجاوزت العشرين مليونا حسب ما أعلنوه الذين كتبوا استمارات تأييد للفريق السيسي كمرشح للرئاسة ، كل ذلك سيتبخر ، وفي هذه الحالة ، حالة التصويت المنخفض أو الفوز بنسبة ضئيلة ، رغم تمرير الدستور إلا أن المعركة بين النظام السابق والجديد ستظل مفتوحة ، لأن أحدا منهما لم يحقق نصرا حاسما ، والمرجح وفق هذه المعطيات ، أن الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد تسخينا زائدا للمشهد تمهيدا للوصول إلى اليوم المفصلي ، يوم التصويت ، ربنا يستر