في الانتخابات التشريعية التي شهدتها ألمانيا مطلع 2013 حصل الحزب النازي الجديد على أقل من 0.8% من مقاعد البرلمان، وهي نسبة لا تؤهله حتى للحصول على تكاليف حملته الانتخابية من الدولة؛ لأن ذلك يتطلب الحصول على 1% من مقاعد البرلمان على الأقل.
الحزب النازي؟
هل تسمح ألمانيا لحزب يعتنق هذا الفكر الذي دمر البلاد لعقود بالعمل في النور ونشر فكره وخوض الانتخابات التشريعية بل منحه دعما من الدولة في حالة حصوله على 1% من المقاعد؟
أجل يا سيدي، ففي أوروبا والدولة المتقدمة أدركوا أن أفضل مكافأة للفكر المنحرف أن تمنعه، لأنه وقتها سيكتسب شعبية مضاعفة بحكم التعاطف الإنساني الطبيعي مع الطرف الأضعف، فضلا عن أنه سيعمل تحت الأرض بعيدًا عن سلطة وعين الدولة، ووقتها لن تعرف شيئا عن مصادر تمويله وأعداد مؤيديه ومدى قوته.
عاش الإخوان المسلمون في مصر 85 عامًا، جمعوا أموالهم ونشروا فكرهم واستقطبوا أعضاءهم وأقنعوا قطاعات عريضة بالتعاطف معهم خلال 83 عامًا كانوا خلالها إما محظورين أو مطاردين أو محبوسين، ولم يخسروا الغالبية العظمى من كل ذلك إلا عندما تولوا السلطة أو كانوا طرفا فيها. في كثير من الأحيان لا تحتاج أن تتكلم لتشوه خصمك، فقط دعه يتكلم عن نفسه.
دعهم يعملون، دعهم يحاولون استقطاب جمهور بات يكره مجرد رؤيتهم، دعهم يخوضون الانتخابات ويحشدون في الاستفتاءات ويحتكون بالمرشحين، دعهم يعرفون أن حظرهم ليس قرار دولة بل رغبة شعب، وعندها سيجدون أنفسهم أمام خيارين، إما مراجعات فكرية يتبرأون خلالها من العنف ويعتذرون عن فشلهم في الحكم ويتراجعون عن التصعيد ضد شعب انتخبهم برغبته وخلعهم برغبته، وإما أن يستمروا في منهجهم وعندها سيتآكلون ذاتيًا وينتحرون سياسيًا وشعبيًا ويلحقون بالحزب النازي الألماني.
جماعة الإخوان غير قانونية؟ لتجعلها قانونية ولتقبل بها كجمعية أهلية، تمارس السياسة؟ عاقبها بالقانون إذا فعلت ذلك، حزب الحرية والعدالة يحتكر الدين؟ وقّع عليه العقاب اللازم ولا تنس أن توقع العقاب نفسه على من يحتكر الوطنية.
تنظيمهم يتماسك بالأزمات فكن ذكيًا ولا تضعهم في أزمة
تقول سجلات «الإخوان» إن الجماعة شهدت أكبر نسبة انشقاقات واستقالات وفصل بعد ثورة 25 يناير حين تخلصت من الملاحقات الأمنية وبدأ أعضاؤها يختلفون في الرؤى أو يطمعون في المكاسب، فخرجت من الجماعة قيادات إصلاحية كبيرة وشباب كثيرون بسبب تفاوض الإخوان مع عمر سليمان لإخلاء الميدان أثناء الثورة، ثم بسبب دعم المجلس العسكري في فترة حكمه، وموقف الجماعة من أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى عدم نظر الطعون المقدمة في انتخابات مكتب الإرشاد.
في المقابل لم تسجل جماعة الإخوان انشقاقات تذكر منذ خلع رئيسهم في 3 يوليو الماضي، باستثناء جماعة أطلقت على نفسها «إخوان بلا عنف» لا نعرف إلا اسم منسقها ولا تضم أيا من الأسماء المعروفة، بينما ظل جسد الجماعة متماسكًا، حتى إن قياديًا مثل عصام العريان ترددت أنباء كثيرة في السابق عن خلافه مع قيادات كبيرة بالجماعة، ووصل الأمر أحيانا إلى الحديث عن احتمالات انشقاقه- بات أعنف قيادات الإخوان دفاعًا عن الجماعة.
إنهم أغبياء فلماذا لا نكون أذكياء؟
كانت هناك مساعٍ لحظر هذا الحزب النازي الجديد، حيث قدم مجلس الولايات الألماني طلبًا لحظره، ولكن هل تعلم من الذي عرقل الموافقة على هذا الطلب؟ إنها الأغلبية البرلمانية، وحينها قال هانز بيتر أوول، المتحدث باسم كتلة الأغلبية: «نتيجة الانتخابات تدل على أننا في غير حاجة لاتخاذ إجراءات لحظر هذا الحزب».
الحاكم الحق هو الذي يترك منافسين سيئين ليتأكد الناس أنه في الحكم لأنه الخيار الأفضل، والحاكم الغبي هو الذي يقضي على جميع منافسيه ليتأكد الناس أنه في الحكم لأنه الخيار الأوحد.
حكيت قصة الحزب النازي الجديد لصديقي، وتشابه وضعه هناك بالحالة المصرية، فقال إن وضعه يختلف عن وضع «الإخوان»، لأن الأول وإن حمل شعار هتلر فإنه لم يمارس العنف أما الجماعة وحليفاتها فمارست العنف وحرضت عليه قبل وبعد عزل رئيسهم، ففاجأته بإعلان السلطات الألمانية عن قيام خلية من أعضاء الحزب بسلسلة من جرائم القتل التي وقعت في الفترة بين عامي 2000 حتى 2007 والتي أسفرت عن مقتل العديد من التجار ذوي الأصول الأجنبية بالإضافة إلى شرطية ألمانية.
هناك عاقبوا من ارتكبوا تلك الجرائم بالقانون وتركوا الحزب، وهنا وجدوا أن الأسهل حظر الحزب وترك من ارتكب الجرائم.
تحدث عن أن حزب الحرية والعدالة، التابع للإخوان المسلمين، حزب ديني، بينما لا تعترف ألمانيا ولا غيرها أصلا بالأحزاب الدينية، فقلت له إن الحزب الحاكم في ألمانيا والذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل اسمه حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فلا مانع من أن تكون هناك أحزاب ذات مرجعيات إسلامية أو مسيحية، بشرط ألا تحتكر الإسلام والمسيحية، ولا تكفر مخالفيها أو تطعن في دينهم.
هناك وضعوا قواعد يلتزم بها الجميع ثم ليختر كل حزب مرجعيته كيفما شاء، وهنا وجدوا أن الأسهل حظر قيام أحزاب بمرجعيات إسلامية من الأساس.
لا عفو شامل ولا عقاب جماعي، ويبقى «الإخواني» مواطنا شريفا حتى يثبت العكس، فإذا ثبت تورطه في عنف أو ارتكابه جريمة وجبت معاقبته وحده وليس معاقبة أهله وأصدقائه وكل من يعرفهم بذنبه.
لنواجه الفكر بالفكر، والهتاف بالهتاف، والعنف بالعنف، إذا فكر أحدهم في التوبة ساعدناه، وإذا جاءنا أحدهم يمشي لنأته هرولة، ليبقى باب الوطن مفتوحا طوال الوقت، لأن أحدًا لم يشتر الوطن ليغلق بابه حين يشاء.