إنه الوقت الأمثل لإعادة الحسابات، لأن العودة إلى نقطة البداية من منتصف الطريق خير من مواصلة السير في الطريق الخطأ.
«أخطأنا. ضُللنا. تفرّقنا. انشغلنا عن أم المعارك بمعارك جانبية، لكننا لم نسرق أموال الشعب، لم نُمرضه، لم نعذبه ولم نقتله، والآن نتوقف لنراجع حساباتنا ونتعلم من أخطائنا ونصحح مسار ثورتنا لتعود أكثر قوة وتحقق أهدافها التي لا يختلف أحد على نبلها».
ظني أن هذا هو الكلام الأمثل الذي يجب أن يبدأ به النشطاء والشباب المحسوبون على ثورة 25 يناير خطابهم في هذه المرحلة، بعد أن فعلت حملات التشويه بهم ما لم تفعله برموز النظام السابق رغم ما هم عليه من فساد وإجرام.
أساءت أذرع مبارك الأمنية والإعلامية إلى النشطاء، وأساء النشطاء إلى الثورة، لأنهم تفرقوا حين كان يجب أن يتحدوا، وتكلموا حين كان يجب أن يعملوا، وآمنوا بقدرتهم على التغيير بعيدا عن الشعب، وقد علمتنا التجارب أنه لابديل عن التغيير بالشعب إلا تغيير الشعب.
2-
ربما تكون التسجيلات التي أذيعت مؤخرًا لبعض النشطاء فرصة ليعيدوا تقديم أنفسهم بشكل مختلف يتجاوزون فيه أخطاء الماضي، وبافتراض صحة التسجيلات المذاعة، فإنها تمثل أخطاء في التقديرات والحسابات وليست جرائم يصعب التجاوز عنها، فلا التسجيلات أثبتت علاقة أيهم بدول أجنبية، ولا هي كشفت تضخم ثرواتهم ولا فساد ذممهم المالية. هي انحيازات وخيارات خاطئة لا أكثر، ولو كانت هذه التسجيلات تهمة في حد ذاتها ما فوّتت الجهة التي سجلت هذه الفرصة ولقدمتها فورا إلى جهات التحقيق خاصة أنها كانت في أشد الحاجة إلى دليل إدانة مقنع بدلا من حبس النشطاء بتهمة مضحكة اسمها التظاهر بدون ترخيص. ولو سلّمنا معا بأن ما فعله النشطاء أخطاء لا جرائم، فإن الأخطاء لا تستدعي السجن والذبح والتخوين، وإلا لحبسنا وذبحنا كل من قال نعم لدستور الإخوان، ووقف في طابور طويل يومي الثلاثاء والأربعاء ليقول نعم للاستفتاء من أجل القضاء على الإخوان.
لن نتحدث عن حق الجهة التي قامت بالتسجيل أصلا في التلصص والتنصت على مكالمات شخصية دون إذن قضائي، لأن القضاء عند هؤلاء صنما من العجوة، كما لم نتحدث عن مدى صحة هذه التسجيلات من عدمه، خاصة أن كثيرًا من أبطالها يؤكدون أن بها الكثير من التلاعب، لأن من تلاعب بشهادات صلاحية لتسميم الناس لن يتأفف ضميره إذا تلاعب في تسجيل صوتي، لكننا سنتحدث عمن أعطى مخلفات مبارك فرصة لتعيد تدوير نفسها وتعود في صورة جديدة.
3-
الخطوة الأولى يجب أن تأتي من النشطاء والمحسوبين على الثورة، بأن يدعوا إلى مؤتمر عام تحضره كل الوجوه الثورية المعروفة والقوى السياسية الفاعلة والشخصيات العامة الموثوق في حكمتها وولائها للثورة.
في هذا المؤتمر يعلن النشطاء صراحة عن الأخطاء التي وقعوا فيها، ويعتذروا للشعب عنها، ويكشفون عن خطتهم لإصلاح هذه الأخطاء وإعادة الثورة إلى مسارها الصحيح، واستعدادهم لسماع أي اقتراحات من شأنها إعادة ثورة يناير إلى الصورة المشرقة التي كانت عليها يوم 11 فبراير قبل أن تطالها يد التشويه، ويؤكدون عملهم إلى جانب من هم أكثر من خبرة سياسية وحياتية من أجل تحقيق أهداف الثورة التي لا يختلف أحد على نبلها.
عندما تعرضت دولة مبارك لضربة قوية في 25 يناير 2011 تماسكت وتوحدت عناصرها وكانت واثقة من العودة، ربما لاطمئنانها إلى عدم وجود قائد يوجه الثورة إلى اتجاه صحيح حين تقف في مفترق طرق، ويكون رأيه هو الفصل عندما تتعدد الآراء.
فطن الكثيرون لهذه الإشكالية بعد أيام من إزاحة مبارك، وطالبوا بتكوين كيان كبير يجمع الثوار ويوحدهم لخوض المعارض التالية مع بقايا النظام البائد ورجاله، لكن هذه المطالبات ضاعت سدى وتفرق الثوار على عشرات الأحزاب والائتلافات القزمية والمتنافرة، فمنحوا لخصمهم الموحد فرصة القضاء عليهم. لذلك لابد أن ينتهي المؤتمر «الافتراضي»، بالإعلان عن تأسيس كيان كبير يضم كل المؤمنين بثورة يناير والمتمسكين بأهدافها، ربما يتعرض كيان من هذا النوع لمضايقات كثيرة من الدولة والمتأثرين بدعايتها لفترة ما، ولكن بمرور الوقت وتأكد الناس من صدق نوايا من فيه، وعدم تكرارهم أخطاء الماضي ستتغير الصورة تدريجيا.