أكثر من أربع ساعات وقفها اللواء محمد فريد التهامى، رئيس المخابرات العامة على قدميه وهو يشرح لنحو خمسين شخصية إعلامية مصرية المخاطر الداخلية والمؤامرات الخارجية التى تتربص ببلادهم.. وبعدها استمر ساعة أخرى فى الإجابة على أسئلتهم.
خرج الرجل المشهور بالصمت وتجنب الضوء طوال سنوات خدمته - فى القوات المسلحة والرقابة الإدارية - عن طبيعته.. وفرضت عليه الضرورة أن يعلن لنجوم الكلمة والصورة ما تعود أن يخفيه.. فهم فى رأيه مقاتلو الصف الأول الذين تصدوا لنظام «الإخوان» المستبد.. وأصروا على إسقاطه.. هم فرسان ثورة 30 يونيو.
ولد فى عام 1947.. تخرج فى الكلية الحربية عام 1967.. تولى جميع الوظائف القيادية فى سلاح المشاة حتى قائد قوات مشاة ميكانيكى.. عين مديرا للمخابرات الحربية والاستطلاع وبعدها رأس جهاز الرقابة الإدارية لمدة ثمانى سنوات حتى 4 سبتمبر 2012.. وفى 6 يوليو الماضى كلف برئاسة المخابرات العامة.
ويتمتع الرجل بصراحة مذهلة.. وجرأة فى الحديث.. وميل طبيعى لشرح التفاصيل.. ولا ينسى أن يتذكر آيات وأحاديث قرآنية وهو يتحدث عن رؤيته الاسترايتجية.. وهى رؤية كما عرضها لنا متكاملة وشاملة.. وإن لم يمل للإفصاح عنها فى لقاءات صحفية مباشرة.. لدرجة ألا أحد منا شاهده مباشرة قبل هذا اللقاء معه.. وكانت المرة الأولى التى يتحدث فيها إلى صحفيين.
ويبدو.. أن هذا الحدث النادر شجع الصحفى الأمريكى الشهير ديفيد إجناتيوس على طلب حوار معه.. وهو فى الحقيقة يستحق الاستجابة له.. فقد حملت مقالاته وتقاريره المنشورة فى «واشنطن بوست» متابعة أمينة لكل ما يحدث فى مصر.. وصف محمد مرسى بأنه «رئيس غير كفء».. وأن جماعته «أصيبت بالفساد» فور توليها السلطة.. وانتقد سياسة الرئيس الأمريكى باراك أوباما التى «تحول الأصدقاء إلى أعداء».. وقبل ذلك آمن بأن مصر «احتاجت ثورة جديدة».. وأن «تمرد مهدت لديمقراطية حقيقية».. وأدرك بخبرته الممتدة نحو أربعين سنة أن دعوات «غياب الجيش عن المشهد تعنى بخبث خروج البلاد عن السيطرة» بفوضى عارمة.
التقى إجناتيوس بـ«التهامى» يوم 9 نوفمبر ونشر بعضا مما سمع منه بعد ثلاثة أيام.. فيما لا يزيد على 800 كلمة.. لكن النشر المختصر لم يشبع فضول المصريين الذين أرادوا أن يعرفوا الكثير عن أفكار الرجل الذى يقود أهم أجهزة المعلومات فى بلادهم.. وبصعوبة أقنعناه بالإفراج عن النص الكامل للمقابلة.
«التهامى»: فى البداية أرحب بالسيد ديفيد (إجناتيوس) فى الجهاز ومن حسن حظى أنها المرة الأولى التى أجرى فيها مقابلة مع صحفى محترم ينتمى إلى صحيفة محترمة.. «واشنطن بوست».. لذا أرجو أن تعطينى العذر.. فلست محترف صحافة.. وطيلة عملى خدمت فى أجهزة أمنية ورقابية ولم ألتق كثيرا مع رجال إعلام.. هذه هى المرة الأولى التى أجلس فيها مع صحفى مثلك.. ويشرفنى ذلك لوضع النقاط فوق الحروف.. وتوضيح كل ما يغيب عن الرأى العام.. ليكون على علم بما يحدث فى مصر.. تفضل.
إجناتيوس: شكرا سيادة الجنرال أنك استقطعت بعضا من وقتك كى ألتقى بك.. أنا أعمل فى الصحافة منذ نحو 40 عاما.. ورغم أننا ننتمى إلى عالمين مختلفين.. الأمن والصحافة.. إلا أنه من المهم لصحفى مثلى أن ألتقى برجل أمن مثلك لنتحدث عن القضايا الأمنية وهى مهمة للغاية لمسؤولى صحيفتى.
لعلكم تعلمون أنها ليست المرة الأولى التى أزور فيها جهازكم.. المعروف أنه جهاز يتمتع بسجل (طويل) وتاريخ معروف فى القضايا الأمنية.. وإحداها قضية الإرهاب التى أود مناقشتها معكم.. خاصة أنكم صاحب خبرة واسعة فيها.
أريد أن أبدأ بسؤال يثير مخاوف الأمريكيين الآن.. بعد إقصاء حكومة مرسى والقبض على معظم قيادات جماعة الإخوان يفترض أن بعضا من أعضاء هذه الجماعة سوف يعملون تحت الأرض.. سيذهبون إلى تركيا أو قطر أو إلى أماكن أخرى ثم يعودون على النحو الذى عاد به أتباع سيد قطب أو (أيمن) الظواهرى.. أشد خطرا.. ما تصوركم حيال هذا الأمر؟.. هل ترصدون خلايا وهياكل (تنظيمية) بدأت تتشكل تحت الأرض؟.. وما الذى سيفعله جهازكم لرصدها ومنعها من العمل والتحرك؟.
«التهامى»: الإرهاب ليس له وطن أو دين.. وبعد أحداث ثورة 30 يونيو بدأت بعض العناصر الإرهابية الموجودة فى سيناء - وهى العناصر التى حضرت إلى مصر قبل هذه الثورة - بالتعاون مع العناصر الإرهابية التى أفرج عنها محمد مرسى بالإضافة إلى العناصر الإرهابية القادمة من دول خارجية فى بناء تنظيمات للإرهاب فى سيناء.
وحاليا فى مصر يوجد اتجاهان رئيسيان لمكافحة الإرهاب.
الاتجاه الأول: تقوم به القوات المسلحة.. حيث تتعامل فى شمال سيناء مع العناصر والبؤر الإرهابية.. وحققت خلال الفترة الماضية نتائج إيجابية طيبة.. والمنحنى البيانى للعمليات الإرهابية بدأ فى التقلص هناك وقبض على العديد من الخلايا.
الاتجاه الثانى تقوم به وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطنى وخلال الفترة الماضية نفذ هذا الجهاز العديد من الضربات الناجحة ضد تلك العناصر.. لكن هذه المشكلة ستحتاج بعض الوقت نظرا لتفريغ الجهاز فى العام السابق من معظم عناصره الفاعلة.
إجناتيوس: جهاز الأمن الوطنى؟.. هل تقصد جهاز المخابرات؟.
«التهامى»: كلا.. جهاز الأمن الوطنى تابع لوزارة الداخلية.. حاليا استدعى وزير الداخلية بعض العناصر الكفء وأعادها إلى الجهاز بهدف أن يستعيد قدرته المهنية والمعلوماتية فى تتبع الخلايا الإرهابية.
وفى أعقاب ما حدث فى ليبيا فتحت مخازن السلاح هناك وراحت تتدفق إلى مصر عبر الحدود الغربية بكميات هائلة خلال العام السابق.
والأسلوب الأمثل للقضاء على العناصر الإرهابية يعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية: العنصر الأول تبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول صديقة مثل الولايات المتحدة عن هذه الخلايا.
العنصر الثانى: معرفة مصادر تمويل الخلايا والعمل على إيقافها.
العنصر الثالث وهو شديد الأهمية: الوصول إلى أماكن تخزين الأسلحة المهربة إلى مصر والتحفظ عليها.
على أنه لا يوجد جهاز أمنى فى العالم يستطيع أن يمنع الإرهاب.. نحن على ثقة أنه خلال الفترة القادمة إن شاء الله - بالتعاون مع الأجهزة الأمنية المختلفة فى مصر وبالتعاون مع أجهزة استخباراتية صديقة - سوف نصل إلى نهاية الإرهاب فى مصر.
ويسعى الإرهاب فى مصر الآن لتحقيق عدة أهداف:
الهدف الأول: تخويف السياح لمنعهم من دخول مصر مما يؤثر على الدخل القومى لها.
الهدف الثانى: محاولة التأثير على الملاحة فى قناة السويس.. أحد المصادر الرئيسية للدخل القومى فى مصر.. ولإحباط هذا المخطط تقوم القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات الصديقة بتأمين القناة بضفتيها الشرقية والغربية بجانب مداخلها ومخارجها فى بورسعيد والسويس.
الهدف الثالث: إظهار عدم الاستقرار فى مصر لحجب المستثمرين عن القيام بمشروعات فى البلاد.. ولإحباط ذلك هناك تكثيف للإجراءات الأمنية عند مداخل المدن الرئيسية.. والأهداف الحيوية فى القاهرة وباقى المحافظات.
التقييم النهائى لهذا الموضوع هو أننا نشعر أن جميع الأجهزة الأمنية نجحت خلال الفترة الماضية فى الحد بنسبة كبيرة من نشاط هذه الجماعات.
«إجناتيوس»: اسمح لى سيادتكم بأن أسال عن بعض التفاصيل المحددة كى تتكون لدى صورة كاملة عن الوضع فى سيناء .. أولا: لقد أشرتم إلى وجود عدد من الخلايا التى بدأت تتشكل فهل لديكم تقدير معين لها أو لعدد العناصر التى ينتمون إليها؟.. ثانيا: بالنسبة لهذه الخلايا هل يمكن أن توصف بأنها خلايا قاعدية بمعنى أن لها ارتباطاً بتنظيم القاعدة؟.. والسؤال الثالث: هل توجد أدلة تشير إلى أن هناك تواصلا بين تلك الخلايا والقاعدة الأم وأعنى بها الظواهرى ورجاله؟.
«التهامى»: سوف أجيب على الجزء الأخير من السؤال.. التواصل بين هذه العناصر وتنظيم القاعدة الرئيسى لا يتم بطريقة مباشرة وإنما عن طريق شبكات الإنترنت وتبادل المعلومات.. وهذا يقودنى إلى النقطة الثانية التى تحدثت عنها بشأن ما إذا كانت الخلايا تتبع القاعدة أم لا؟.. القاعدة الآن لم يعد لها هيكل تنظيمى مثلما كان فى السابق فى عهد أسامة بن لادن.. ولكنها الآن أصبحت فكرا ينتشر بين أفراد.. فكر تكفيرى أو فكر جهادى.. وبالتالى الخلايا أو العناصر الجديدة التى تتشكل حاليا مثل «بيت المقدس» وسائر الخلايا الصغيرة كلها تنتمى إلى القاعدة فكرياً وليس تنظيمياً.
فى عامى 2000 - 2001 كنا نعقد لقاءات مع أجهزة المخابرات الأمريكية - مثل سى آى إيه أو وكالة المخابرات المركزية - كان هناك تنظيم رئيسى هو القاعدة به أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وباقى العناصر الموجودة فى أفغانستان.. وكان من السهل تقييم التنظيم وأذرعه واتجاهاته.. بعد غزو أفغانستان فى عام 2001 انتشرت عناصر التنظيم فى باكستان.. جزء منها ذهب إلى اليمن.. وجزء آخر ذهب إلى الصومال.. وجزء ثالث ذهب إلى العراق.. وجزء رابع ذهب إلى غرب أفريقيا.. وأصبح كل جزء نواة للفكر.. يعمل باستقلالية.. وليس بمركزية كما كان فى السابق.
إن القضاء على الخلايا والعناصر الإرهابية فى سيناء قد يتطلب بعض الوقت حتى نحقق التوازن بين الوصول إلى الهدف وتقليل الخسائر بين الأبرياء.. أحياناً نجد خلية أو مجموعة تضم من فردين إلى ثلاثة أفراد ينفذون عملية إرهابية.
وأصعب أسلوب قتال أن تواجه قوة نظامية خلايا إرهابية.. عند قتال الجيوش يكون لكل جيش هدف محدد وعدو واضح أمامه.. لكن عندما تقاتل الجيوش عناصر إرهابية فإنك تجدها تبحث عن مجموعة صغيرة تنتشر على مساحة كبيرة من الأرض.. والعامل الرئيسى للنجاح.. المعلومات.
ولعل أكبر مثال على ذلك أن الولايات المتحدة احتاجت 11 سنة «من 2001 إلى 2012» حتى عثرت على أسامة بن لادن وقضت عليه.. وحتى الآن لا أحد يعرف أين يختبئ أيمن الظواهرى أو ما الذى يخطط له؟.. لكن مع الوقت وتوفير المعلومات والتنسيق مع أجهزة الاستخبارات سوف نصل إلى تلك العناصر.. خطورة القاعدة حالياً ليست فى التنظيم بقدر ما هى فى الفكر.
«إجناتيوس»: هل يمكن - سيادة الجنرال - أن تطلعنى على أمور تفصيلية أكثر تحديداً عن حجم الخلايا النشطة فى سيناء والأفراد المنتمين إليها ومن منهم تمكنتم من التعرف عليه ومنعتموه من ممارسة نشاطه؟
«التهامى»: لا أستطيع أن أعطى إجابة دقيقة على السؤال، لأننا لسنا نحن المكلفين بهذا الأمر فى سيناء.. مهمة العمل فى سيناء تقع على كاهل القوات المسلحة والأمن الوطنى التابع لوزارة الداخلية.. دور جهاز المخابرات أنه عندما تصل إليه معلومة تتعلق بالعناصر الإرهابية يقوم بإبلاغها إلى الأمن الوطنى والمخابرات الحربية.. وهما من جانبهما يعملان على المعلومة حتى يصلا إلى الهدف.. وعند القبض على إرهابى يقومان باستجوابه للحصول على مزيد من المعلومات منه تساعد فى الوصول إلى بقية الخلية أو التنظيم.
وأحد العوامل المؤثرة فى الحد من النشاط الإرهابى فى سيناء إغلاق القوات المسلحة عدداً كبيراً من الأنفاق بين مصر وغزة.. علاوة على أن القوات المسلحة تؤمَّن الحدود الغربية مع ليبيا بكثافة أشد للحد من تهريب الأسلحة.. وضبط خلال الفترة السابقة العديد من قضايا تهريب الأسلحة ومستودعات تخرينها فى بعض المحافظات.
«إجناتيوس»: أشرتم إلى أن هناك تعاوناً مع الأجهزة والدول الصديقة من بينها الولايات المتحدة.. هل هذا التعاون مازال جيداً بنفس القدر الذى كان عليه فى الماضى مع وكالة المخابرات المركزية (سى آى إيه) ووكالات الاستخبارات الوطنية (إن إس إيه) وسائر الأجهزة الأخرى؟
وهل ترى أنه يمكن أن يكون هناك تعاون أفضل مما يحدث الآن؟.. بمعنى أن تحصلوا من الولايات المتحدة على معلومات أكثر وأفضل.. وسؤال ثالث: أتصور أن لديكم علماً بالأنباء التى تتواتر فى الآونة الأخيرة عن أنشطة المراقبة (التنصت) التى تقوم بها وكالة الأمن القومى (إن إس إيه) وأنه فى ضوء تلك الأنباء سيفرض فى الفترة القادمة قيود على نشاط هذه الوكالة.. هل ترون أن فرض هذه القيود سيؤثر على مصر بطريقة أو بأخرى؟
«التهامى»: منذ قيام الثورة مباشرة وحتى الآن يجرى التعاون بين الأجهزة الاستخباراتية فى مصر والولايات المتحدة والدول الصديقة.. هذه القناة تختلف عن القنوات السياسية.. أنا على اتصال دائم مع جون برينان (مدير وكالة سى آى إيه) ومحطة الوكالة فى مصر على اتصال دائم بنا.. ولعل أكبر جهاز استخباراتى تبادلنا معه المعلومات خلال الفترة السابقة هو (سى آى إيه).
إن تبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية لا يتعلق بأشخاص وإنما بعناصر إرهابية.. وبالتالى فإن وكالة الأمن القومى الأمريكى تحتاج إلى معلومات عن الإرهاب وتحتاج إلى تبادلها معنا.. وهو ما لا يؤثر على عملها خلال الفترة القادمة.
ومن مصلحة الأمريكيين وأيضا المصريين التواصل فى مجال مكافحة الإرهاب.. أنا سعيد لأن رئيس هيئة الأمن القومى الأمريكى الجنرال كيث الكسندر كان مدير مخابرات القيادة المركزية عندما كنت أنا مديراً للمخابرات الحربية.
«إجناتيوس»: أريد أن أتحقق من سيادتكم أن ما ذكرته الآن يعنى أنه برغم الصعود والهبوط الذى شهدته العلاقات المصرية الأمريكية من الناحية السياسية على مدى الشهرين الماضيين فإن التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب لم يتأثر بين البلدين.
«التهامى»: نعم.
«إجناتيوس»: سؤالى القادم يتعلق بأمر مهم للولايات المتحدة ومصر على حد سواء.. أشرتم سيادتكم إلى موضوع إغلاق الأنفاق.. وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت أنباء مزعجة.. حيث قيل إن «حماس» بالنسبة لمحمد مرسى والإخوان كانت أشبه بالطفل المدلل.. وإذا كان لديك طفل مدلل فمن الصعب أن تؤدبه.. بالنسبة لكم الآن لم تعد «حماس» طفلاً مدللاً.. فهل توضح لى ما مستوى العمليات التى يتم القيام بها فى غزة حالياً؟.. وما الذى ستفعلونه فى المستقبل؟
«التهامى»: أى عمليات؟
«إجناتيوس»: أقصد مثلاً احتمال أن تكون هناك عمليات اختراق لغزة، بمعنى أن يتم تجنيد عملاء ومرشدين داخل القطاع أو أن تقوموا بالتصدى لأى أعمال عدائية محتملة من جانب حماس تجاه مصر.. وهناك شىء آخر هو مستوى الاتصالات بينكم وبين إسرائيل فى هذا الصدد؟.
«التهامى»: كى أجيب عن السؤال يجب فى البداية أن أوضح ما مفهوم قطاع غزة.. قطاع غزة أرض فلسطينية تحت الإحتلال الإسرائيلى ويتواجد به حوالى مليون ونصف المليون فلسطينى، وهذه أعلى كثافة سكانية فى العالم.. وطبقا للقانون الدولى يجب على إسرائيل أن توفر احتياجات القطاع الضرورية بصفتها قوة احتلال.
قبل الثورة فى 30 يونيو كان تهريب البضائع والسلع المدعمة من مصر - مثل الوقود والدقيق والزيوت - يحدث عبر الأنفاق إلى غزة.. وشكلت حماس وزارة أطلقت عليها «وزارة الأنفاق» لجمع الرسوم والضرائب على البضائع التى تهرب من مصر.. إن مشكلة حماس مع البضائع التى تصل إلى غزة ليست فى أنها تأتى من مصر أو إسرائيل وإنما أنها تجمع ضرائب عنها.
مثلاً.. توجد حالياً مشكلة فى الوقود (خاصة السولار) فى محطة كهرباء غزة.. ليس بسبب نقص الوقود ولكن نتيجة رفض حماس أن تحصل على الوقود من إسرائيل وتدفع ضرائب عنه.
عندما نتعامل نحن مع قطاع غزة فإننا نعتبره جزءاً من الأراضى الفلسطينية يوجد به مواطنون فلسطينيون، وحماس تمثل فيه بنسبة محدودة، وبالتالى لا نتعامل مع القطاع على أساس أن كله حماس.. ونحن نتصل مع حماس فى أوقات عديدة بصفتها الإدارة الموجودة فى غزة لتنسيق المواقف بشأن فتح المعابر.. أو إذا كانت هناك مشاكل بينها وبين إسرائيل.. لتجنب تصعيد الموقف بينها وبين إسرائيل.
إذا كانت حماس فى العام السابق الطفل المدلل للنظام المصرى السابق فسكان قطاع غزة بالكامل هم الطفل المدلل للشعب المصرى الآن.
«إجناتيوس»: أريد أن أسأل الآن عن مشكلتين صعبتين وأثق بأن جهازكم يتابعهما عن كثب بالفعل.. الأولى: التنامى الذى تشهده الخلايا الجهادية الإرهابية فى ليبيا، خاصة بنغازى، ولكن حسب معلوماتى هذه الخلايا آخذة فى الانتشار أيضا فى مناطق أخرى ليبية.. أما المشكلة الأخرى فتتعلق بسوريا وانتشار المد المتطرف هناك، خاصة فى منطقة شمال شرق سوريا مثل الحسكة ودير الزور.. لقد سافرت إلى حلب ورأيت هناك عناصر جبهة النصرة وهى تتعاون وتتحالف مع جماعات مثل «لواء التوحيد».. أنا متشوق تماماً أن أستمع لتقييم سيادتكم لهذا الخطر.. هل يتنامى؟.. هل تتصورون أنه سوف يزداد بصورة أكبر؟.. وما الأسلوب الأمثل لمجابهة هذين الخطرين فى ليبيا وسوريا؟.
«التهامى»: لقد أصبحت ليبيا ثلاثة أقسام.. ومن حسن حظ مصر أن القسم الملاصق لحدودها الغربية وهو منطقة شرق ليبيا أو إقليم برقة نسبة العناصر المتطرفة فيه قليلة.. أما فى غرب ليبيا وطرابلس، العاصمة، فنسبة العناصر المتشددة هناك كبيرة نوعاً ما.
«إجناتيوس»: عندما تقول كبيرة نوعاً ما.. هل تقصد أن النسبة تساوى عشرة فى المائة أو عشرين فى المائة؟
«التهامى»: مشكلة ليبيا الآن أنها لا توجد فيها حكومة مركزية قادرة على السيطرة على جميع أراضيها.. قبل مقتل العقيد معمر القذافى فتح مخازن السلاح والذخيرة لليبيين، فأصبحت ليبيا تدار بسلطة القبائل وقوة الجماعات المتشددة.. الأكثر تسليحا والأكثر قوة هو الذى يفرض إرادته على الآخرين.
«إجناتيوس»: وماذا عن سوريا يا سيادة الجنرال؟.
«التهامى»: المشكلة فى سوريا ليست من صنع الشعب السورى.. بدأت المشكلة هناك من المعارضة للحصول على حقوقها وسعيها لتغيير النظام.. كان الهدف من هذا الصراع فى بدايته تغيير النظام.. ولكن.. نتيجة للدعم غير المحسوب من قوى خارجية وإقليمية دفع بعناصر متشددة إلى البلاد وشكلوا ما يسمى «جبهة النصرة».. وراحت قوى إقليمية ودولية تدعم المعارضة بالسلاح والذخائر.. ونظرا لأن «جبهة النصرة» كانت الأكثر احترافا فى القتال فإنها استولت على معظم هذه الأسلحة.
وفى سوريا الآن ثلاث قوى تتصارع فى الداخل.. الجيش السورى.. والجيش السورى الحر.. وجبهة النصرة.. صعوبة حل المشكلة أن هناك قوى دولية وإقليمية تدعم الجيش السورى وتقف وراءه.. ويتكرر الأمر نفسه مع الجيش السورى الحر وجبهة النصرة.. هناك قوى دولية وإقليمية تدعهما أيضا.. ولن يحسم الصراع فى سوريا عسكريا لطرف من الأطراف المتقاتلة.. ولن ينتهى المطاف إلا إذا جلست القوى المتصارعة على مائدة الحوار.. هنا سيظهر لنا السلطة السورية والمعارضة السورية وتحتفى جبهة النصرة تحت الأرض.. فليس لها مكان على مائدة المفاوضات.. وهذا أخطر ما فى المشكلة.
«إجناتيوس»: هل يعنى ذلك ضرورة أن تجلس جبهة النصرة على مائدة التفاوض؟
«التهامى»: جبهة النصرة أساسا لا تجلس على موائد التفاوض، وسبق أن قلت ذلك للأصدقاء فى الولايات المتحدة كما قلته للأصدقاء فى المخابرات البريطانية (إم آى 6).. إن الإرهاب لا يجلس على مائدة مفاوضات بل الإرهاب يريد السلطة كاملة.. وهى مأساة ستعانى منها المنطقة بأسرها.. ولا تنسى أن القاعدة موجودة فى سوريا الآن وموجودة فى العراق، وبالتالى فإن استقرار المنطقة لابد أن يبدأ بالتعاون الدولى فى مكافحة الإرهاب.
عندما دعمت القاعدة فى أفغانستان لمقاومة الاحتلال السوفيتى هناك انسحب السوفييت، ولكن بقى تنظيم القاعدة ومارس نشاطه فى الداخل والخارج حتى وصل إلى برجى التجارة فى نيويورك عام 2001.. إن فكر القاعدة لا يقتنع بالسياسة ولا يؤمن بالمفاوضات.. ولكنه يقتنع بتحقيق الهدف الذى يسعى إليه وهو إقامة إمارات إسلامية فى الدول التى ينشط فيها ويذهب إليها.
«إجناتيوس»: هذا يحدث بالفعل.. اسمح لى سيادتكم أن أطرح سؤالى الأخير كى أترككم لعملكم الحقيقى.. وزير الخارجية نبيل فهمى أدلى بالأمس بحديث لوكالة رويترز قاله فيه - وربما عبر عن رأى شخصى - إنه سيكون من المقبول أن يقوم حزب الحرية والعدالة بتقديم مرشحين له فى الانتخابات البرلمانية (القادمة) كى يكون هناك صوت سياسى للتيار الإسلامى فى مصر.. هل تتصور سيادتكم أن هذه الفكرة سوف تكلل بالنجاح.. بمعنى أن مصر المستقبل سيكون بها حزب سياسى ذو خلفية إسلامية أم أن الوضع سيكون على ما كان عليه أيام مبارك؟.
«التهامى»: يمكن أن أجيب عن هذا السؤال.. منذ ما حدث فى 3 يوليو عندما اجتمعت القوى السياسية فى مقر وزارة الدفاع لوضع تصور لخريطة المستقبل دعا حزب الحرية والعدالة للحضور.. ورغم رفض الحزب الحضور الذى شاركت فيه القوى الوطنية (المتنوعة) إلا أن الإعلان الدستورى صدر لاستكمال خريطة المستقبل دون إقصاء لأى قوة سياسية حالية.. القوى الإسلامية فى مصر - السلفيون - موجودون على الساحة السياسية.. وموجودون فى لجنة الخمسين لإعداد الدستور.. ورفض حزب الحرية والعدالة ترشيح ممثل له فى بجنة الخمسين.
المشكلة ليست فيما نريد وإنما فيما يريد الآخرون.. نحن نريد أن يتحقق الاستقرار فى مصر وأن تستكمل خريطة المستقبل طبقا للتخطيط الموضوع ويكون المصريون جميعهم سواء أمام القانون لا يميز مصرى عن آخر لغة أو دين أو عرق.
الإخوان فى مصر تعدادهم حوالى 800 ألف عضو.. أنا عندى فى مصر قرابة 8 إلى 10 ملايين مسيحى وهم مواطنون مصريون لهم حقوقهم ومسؤولية الدولة الحفاظ على أمنهم وسلامتهم... غير مقبول ونحن فى القرن الواحد والعشرين أن يقسم المصريون فى بلادهم على أساس الدين أو العقيدة.. مصر كلها مسلمون عدا الإخوة المسيحيين الموجودين معنا.. لا يمكن لفئة محدودة أن تعتقد أنها الفئة الوحيدة المسلمة دون ما عداها من المصريين.. هناك نحو 80 مليون مسلم فى مصر وحوالى 10 ملايين مسيحى وغير مقبول وغير مسموح أن نفرق بين المسلم والمسيحى، وبالتالى غير مقبول وغير مسموح أن نفرق بين مسلم ومسلم.. الدين علاقة بين الإنسان وربه.. ولكل إنسان الحق فى أن يعتنق الدين الذى يقتنع به ولا توجد واسطة بين الإنسان وربه ولا يوجد على الأرض مسلم ومسلم سوبر «جى إل إس».
السياسة فيها مناورات وصراعات ولا يوجد فيها صدق بنسبة 100%، وبالتالى غير مقبول أن ندخل شيئاً غير سليم على عقيدة آتية من الرب سواء مسلمة أو مسيحية.. كلنا مواطنون مصريون.. كل إنسان يعتنق الدين الذى يقتنع به لكن لا يمكن لأحد أن يستخدمه ميزة للوصول إلى السلطة.
المشكلة الآن مع بعض تيارات الإسلام السياسى.. أنها تحاول الضغط على الشعب المصرى من خلال التظاهرات والعمليات الإرهابية لإخضاع الشعب المصرى.. لم يحدث على مدار التاريخ كله أن نجحت قوة محدودة فى فرض إرادتها على المصريين.
وهنا سأشير إلى كلمة قالها البابا تواضروس (بطريرك الأقباط) فى أعقاب الإعتداء على المسيحيين فى دور العبادة ومحاولة بعض المسلمين تأمين الكنائس.. حيث رفض ذلك قائلا: «أنا أستطيع بناء الكنيسة ولكن لا أستيطع أن أعيد روح إنسان يموت عن كنيسة».. لا خصومة فى مصر بين مصرى ومصرى أو بين فئة أو أخرى.. من يريد أن يدخل فى العملية السياسية أيا كان توجهه أهلا به.
«إجناتيوس»: ما تقوله سيادة الجنرال يدعو للتفاؤل.. وحسبما قلت من قبل.. ينبغى لى أن أتركك لعملك الحقيقى.. لكن.. لدى ملاحظة.. أنك سبق أن قلت أنه ليست لديك خبرة فى التعامل مع الصحفيين.. أنا لا أصدق ذلك.
«التهامى»: هذه شهادة أعتز بها.. إننى عندما أتحدث معك أو مع أى شخص عموما أعتبر الصدق أقصر طريق بين نقطتين.. وفى بعض الأحيان يكون الصدق مريرا.. ولكن لا يجوز أن أجلس مع شخص ويسألنى ألا أكون صادقا معه.. هذا ليس من صفاتى.. ولا يجوز أن يأتى شخص إلى هذا الجهاز الذى أمثله وأتحدث معه بغير صدق.. هذا سيؤثر على الجهاز.
وفى النهاية أريد قول شىء بسيط.. طمأنة العالم أن مصر إن شاء الله خلال الفترة القادمة سوف تستقر، لأن شعبها شعب طيب لا يميل إلى العنف.. وما حدث فى الفترة الماضية أن هناك عناصر شعرت أنها فقدت السلطة.. ففعلت ما فعلت.. هذا وضع طبيعى لفقدان السلطة.
نحن لا نغضب من أحد.. مصر أذرعها مفتوحة لجميع أولادها باختلاف تياراتهم وانتماءاتهم وديناتهم.. نحن لسنا قلقين على مصر فى الفترة القادمة، لأن شعبها كله الآن على قلب رجل واحد.. ونتوقع خلال الفترة القادمة إن شاء الله عودة الكل إلى حضنها من جديد.
الشعب المصرى طيب ومحب للجميع وغير معقول أنه يوجد فى مصر - ثلاثة إلى أربعة ملايين سودانى وحوالى 200 ألف عراقى ومن 300 إلى 400 ألف سورى غير باقى الجنسيات الأخرى.. هل يحتويهم الشعب المصرى ولا يستطيع احتواء أبنائه؟.
وبالنسبة للعلاقات بين مصر والولايات المتحدة.. أنا لا أعتبر أنه ليست هناك مشكلة بينهما لسبب بسيط.. الولايات المتحدة على مدار 30 سنة تدعم مصر بالمساعدات العسكرية.. ولا يعنى تأخير تسليم دفعة مساعدات أن ذلك يسبب مشكلة بينهما.. قد يكون هناك تباين فى الرؤى أو المعلومات تصل بصورة غير سليمة فى بعض الأحيان للقيادة السياسية غير أن على أرض الواقع تكن مصر للولايات المتحدة كل احترام وتقدير.. ولا نستطيع أن ننسى دعم الولايات المتحدة لنا سواء فى معاهدة السلام مع إسرائيل أو الدعم العسكرى خلال الثلاثين عاما الماضية.
«إجناتيوس»: شكرا لهذه العبارات الأخيرة التى اختتمت بها سيادتكم المقابلة.. وشكرا مرة أخرى على الوقت الذى استقطعته من عملكم الثمين.. تعلمت الكثير من هذا الوضوح وهذه الصراحة.. وسوف أنقل كل ذلك إلى رؤسائى وزملائى فى صحيفة واشنطن بوست.
«التهامى»: أنا أشكرك مرة أخرى على تشريفكم وسعيد بلقائك وسعيد أيضا لأننى كنت عند حسن الظن واستطعت الإجابة عن أسئلتك وأن أقول إن هذا أول لقاء لى مع وسيلة إعلامية.. وربما كان الأخير.
«إجناتيوس»: أتمنى ألا يكون الأخير.. وأتمنى عندما تأتى إلى واشنطن كى تلتقى مع جون برينان أن تجد وقتا لزيارتنا فى الصحيفة حيث سنرتب لسيادتكم جولة فى صالة التحرير.. ومرة أخرى أؤكد أن العمل الذى تضطلعون به تحديدا عمل هام.. العمل الأمنى مسألة حياة أو موت.