هناك إجماع وطني على رفض قانون التظاهر الذي طرحته حكومة الببلاوي ، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، باستثناء هامش صغير من الفلول الذين يتزلفون للعسكر ، الجميع على قول واحد بأن هذا القانون كارثة سياسية وأنه ردة على ثورة يناير ، بل هو علامة على ثورة مضادة حقيقية ، حتى خصوم الإخوان لم يشغلهم الخلاف بل والكراهية للإخوان عن اتخاذ موقف وطني قوي وصارم تجاه هذا القانون ، لأنهم أدركوا أن التلويح بأن هذا القانون لمواجهة مظاهرات الإخوان هو مجرد خدعة ، فمظاهرات الإخوان التي لم يوقفها ضرب الرصاص الحي في صدور المتظاهرين لن يوقفها قانون ، بل ستدوسه بالإقدام ، وإنما هذا القانون صدر من أجل أن يسحب السلاح الوحيد والجوهري للثورة وتيارها الحي والفاعل في البلد حتى الآن ، وبدأ الجميع يشعرون أن العسكر الذين قالوا أنهم تحركوا في 3 يوليو استجابة لمظاهرات الشعب يريدون الآن أن يسنوا قانونا يمنع مظاهرات الشعب مستقبلا ، هي حكاية السلم الشهيرة ، حيث يستخدمه أحدهم مرة واحدة لتحقيق مآربه في الوصول والقبض على السلطة ثم يحطمه بعد ذلك حتى لا يستخدمه أحد بعده ، وكان من لطائف صنع الله أن تورط المتآمرون في صدامات عنيفة مع قوى ثورية عديدة خلال وقت وجيز ، مما أعطى رسالة واضحة بأن منع التظاهر لم يقصد به فصيل بعينه ، وإنما تفكيك الثورة من مقوماتها وعناصرها الرئيسية والقضاء على روحها ، فالداخلية التي استسهلت ضرب النار وسحق المظاهرات بعد الموافقة المفتوحة على ذلك من الجيش ، أخذت العاطل في الباطل كما يقولون ، فعندما تظاهر التيار الثالث طحنوهم وقتلوا منهم خمسة في ليلة واحدة ، وعندما تظاهرت 6 أبريل حذروهم ثم لما نزلوا بعد ذلك طحنوهم ، ولما تظاهر ائتلاف ماسبيرو ضربوهم بلا رحمة ، ولولا أن الحضور القبطي فيهم كبير لقتلوهم بلا دية ، وعندما تظاهر الألتراس سواء مشجعي الأهلي أو الزمالك ضربوهم وطاردوهم واعتقلوهم وكانت قرارات النيابة جاهزة باستمرار حبسهم ، وإن كنت أعتقد أنهم سيفرجون عنهم عاجلا خوفا من اتساع جبهة الشارع ضد عودة القمع والاستبداد وهيمنة الجهاز الأمني ، وستنفذ النيابة ما تطلبه الجهات المعنية ، لأننا ـ مع الأسف ـ أصبحنا أمام دولة تخاف ما تختشيش كما يقول العامة ، والقانون هو معادلة القوة في الشارع ، وليس في أي معايير قانونية أو أخلاقية أو إنسانية أخرى ، والحاصل أن هذه المواجهات المتتالية أعطت الرسالة واضحة للجميع بأن هناك توجها عاما نحو قمع المجتمع ، وسحق الثورة بكل فصائلها ، وإعادة البيادة فوق رؤوس كل القوى السياسية من جديد ، كما كانت أيام مبارك وربما أسوأ . الرسالة الأهم في غضبة القوى الوطنية المصرية بالإجماع تجاه هذا القانون الإجرامي ، هو أن الجميع مدرك أن الثورة ما زالت قائمة ، وأن الثورة لم تحقق أهدافها بعد ، وأن الفصل الأخير من الثورة لم يكتب بعد ، ولذلك أصر الجميع على أن يحتفظ بسيف الثورة ـ الشارع ـ حتى النهاية ، رغم قلق الجميع من الإخوان ، وتفهم كثيرين منهم للمواجهة الأمنية معهم ، وهو موقف يحتاج إلى مراجعة الآن من منطلق وطني وأخلاقي وقانوني أيضا ، وأعتقد أن الرسالة الأكثر خطورة التي وصلت إلى المؤسسة العسكرية وتوابعها الآن أن نبض الثورة أكبر من أن يتم احتواؤه بأي خدع أو ألاعيب أو صناعة الخوف من هذه القوة أو تلك لجعل الجميع يرتمون في أحضان الجيش ويقبلون بالدنية ، ويوافقون على أي قوانين باطشة وفرعونية تحاول إعادة عجلة الزمن إلى الوراء في مصر ، رسالة الغضب من قانون التظاهر هي أهم دليل على عافية الثورة ، وأنها لم تفقد أخلاقها بعد ، ولم تفقد روحها أيضا ، وأتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت واضحة وكافية لكل الأطراف ، وبشكل خاص ، الإخوان والعسكر .