العقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي

كثيراً ما قرأنا وتابعنا نقاشات وحوارات ساخنة في الكثير من المواقع العربية عن العقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي بوجه عام وللمملكة العربية السعودية بوجه خاص، ولكن للأسف في أغلب الأحيان هذه النقاشات والحوارات كانت تنتهي بدون أن يصلوا المتحاورين إلى نتيجة مقنعة عن ماهية العقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي أو للسعودية على الخصوص وكنا أيضاً نلاحظ أن ليس هناك اتفاق بين المتحاورين على تعريف محدد للعقيدة العسكرية لهذه الدول

ولكن بعد قراءة دقيقة للدراسة الجديدة التي نشرتها مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية والتي قمت بترجمتها وإعداد ملخص تفصيلي لها وأدرجتها قبل أيام في موضوع تجدونه هنا خرجت بتصور عام عن العقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي وماهية هذه العقيدة من خلال قراءة لما بين سطور الدراسة لأن الدراسة لم توضح هذه العقيدة العسكرية بوضوح وبشكل كافي ولكن لمّحت لها بشكل عام وشرحتها بصورة غير مباشرة من خلال التلميح ما بين السطور ولربما الدراسة تريد أن تحفز القارئ لكي يبحث عنها بين السطور ويكتشفها بنفسه دون أن تضعها لهم بطريقة مباشرة أو لربما لأن الدراسة تسلط الضوء على محاور أخرى ..



إذاً دعونا نشرح ونحلل ونقييم هذه العقيدة العسكرية ,, وثم نطرح تساؤلاتنا


أولاً التعريف العام للعقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي

العقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي هي عقيدة عملياتية ورادع عسكري هدفها حدود آمنة والدفاع عنها وتعتمد على ردة الفعل السريعة والتحول من الدفاع إلى الهجوم بأسرع وقت .. وهذه العقيدة مبنية على هيكل قوي وهذا الهيكل هو "حدود يمكن الدفاع عنها"

ولكن هناك اختلاف طفيف بين عقيدة المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج العربي مما جعلت هذه العقيدة العسكرية بحسب التعريف الذي وضعناه بالأعلى تظهر بوضوح في العقيدة العسكرية السعودية أكثر من بقية دول الخليج العربي وسنوضح لكم هذه الاختلافات في السياق القادم بالموضوع ..


ثانياً العقيدة العسكرية للدول الخليجية "دول خط المواجهة"

الدول الخليجية التي تسمى بـ "دول خط المواجهة" وهي الكويت والبحرين وقطر والامارات سميت بهذا الإسم على اعتبار أن الموقع الجغرافي لهذه الدول تقع مباشرة أمام الحدود الإيرانية وقريبة منها وعلى خط المواجهة ,, والعقيدة العسكرية لدول خط المواجهة هي عقيدة عملياتية ورادع عسكري هدفها حدود آمنة والدفاع عنها وهذه العقيدة الخليجية تقوم على الدفاع عن الحدود الرئيسية للدولة فقط

هناك اعتباران رئيسيان وراء إختبار العقيدة العسكرية وهما "توازن القوى والعمق الاستراتيجي" والدول الخليجية التي تسمى بدول خط المواجهة (الكويت والبحرين وقطر والامارات) تواجهها قلق رئيسي وهو قلق العمق الاستراتيجي ونتيجة لعدم وجود هذا العمق الاستراتيجي فرضت قيود على مجال المناورة وعلى القدرة العملياتية خلال الصراع والوقت الكافي للرد ناهيك عن تواجد البنية التحتية الحيوية الاستراتيجية والمراكز الاقتصادية الحرجة بالقرب من الحدود


ثالثاً العقيدة العسكرية للمملكة العربية السعودية

العقيدة العسكرية للمملكة العربية السعودية هي عقيدة عملياتية ورادع عسكري وحدود آمنة والدفاع عنها وتعتمد أيضاً على ردة الفعل السريعة والتحول من الدفاع إلى الهجوم بأسرع وقت .. وإذا كانت العقيدة الخليجية كما وضحنا سابقاً بأنها تقوم على الدفاع عن الحدود الرئيسية للدولة فإن العقيدة السعودية تتعدى العقيدة الخليجية فبالاضافة إلى الدفاع عن الحدود الرئيسية للسعودية أيضاً تقوم بإنشاء نقاط آمنة خارج حدودها والدفاع عنها .. مثل خط الفهد المخصص للدفاع الجوي في الخليج العربي .. بدايته تبدأ من المياه الدولية القريبة من الحدود السعودية وليس داخل الحدود السعودية وهذا يعكس ثقة بالنفس وقدرات هائلة تدعم هكذا توجه وهو توجه غربي تمارسه أغلب الدول الغربية ..

إذاً تعريفنا للعقيدة العسكرية السعودية إنها عقيدة عملياتية ورادع عسكري وحدود آمنة والدفاع عنها وأيضاً تعتمد على ردة الفعل السريعة والتحول من الدفاع إلى الهجوم بأسرع وقت وتصل لنقاط آمنة خارج حدودها والدفاع عنها

والسبب وراء هذه العقيدة العسكرية للمملكة العربية السعودية لأنها الدولة الوحيدة من دول الخليج العربي التي لديها عمق استراتيجي وتمتلك عناصر رئيسية هامة كموارد النفط والسكان والعمق والموقع مما جعلت من عقيدتها العسكرية أكثر تطوراً ومختلفة قليلاً عن العقيدة العسكرية للدول الخليجية الأخرى وهذه العقيدة العسكرية السعودية الأكثر تطوراً هي مكملة للدور الرادع لعقيدة الدول الخليجية "دول خط المواجهة" مما نتج عنها التعاون والحلف الدفاعي المشترك ..

من هنا يمكننا القول بأن العقيدة العسكرية السعودية علاوة على أنها عقيدة عملياتية ورادع عسكري وحدود آمنة والدفاع عنها فإنها أيضاً تتطور حسب الحدث وحسب الهدف لتصبح هذه العقيدة قائمة على ردة الفعل السريعة والتحول من الدفاع إلى الهجوم بأسرع وقت وتصل لنقاط آمنة خارج حدودها والدفاع عنها .. ولدينا مثالين لهذا التحول السريع من الدفاع إلى الهجوم والوصول لنقاط آمنة خارج حدودها ,, المثال الأول حرب الحوثيين توضح التحول من الدفاع إلى الهجوم، والمثال الثاني الدور السعودي في البحرين للدفاع عنها وهو يوضح الوصول لنقاط آمنة خارج حدودها على اعتبار أن في هذه الحالة الحدود الآمنة للسعودية تتعدى حدودها وتصل إلى البحرين ,, في حالة حرب الحوثيين وجدنا أن العقيدة العسكرية تحولت من الدفاع إلى الهجوم بهدف تأمين حدودها والدفاع عنها، وفي حالة البحرين على الرغم من أن المعلن عنه في وقتها أن قوات درع الجزيرة هي التي دخلت البحرين إلا أنه على أرض الواقع والفعلي فإن القوات السعودية هي التي كانت رأس حربة قوات درع الجزيرة وهذا يوضح لنا بوضوح مدى تطبيق العقيدة العسكرية السعودية المتعلقة بالوصول إلى نقاط خارج حدودها والدفاع عنها

وأما الرادع العسكري السعودي ينقسم إلى قسمين: ردع دفاعي وردع هجومي ,, وبناءً على الأسلحة التي تمتلكها السعودية فإن الرادع العسكري يظهر بوضوح في الهجوم المضاد الجوي Offensive Counter Air والدفاع المضاد الجوي Defensive Counter Air وهاذين الرادعين من الأساسيات التي تعتمد عليهما المملكة العربية السعودية في عقيدتها العسكرية

الحقيقة أن العقيدة العسكرية السعودية تجاوزت هذه الأمور كلها التي شرحناها، فهناك عنصر آخر من عناصر الردع في العقيدة العسكرية السعودية وهو سلاح الصواريخ الاستراتيجية السعودية وهذا السلاح بالذات يظهر قدرات الردع الهجومي السعودي. وهو يظهر إستغلال المملكة العربية السعودية لمسألة العمق الإستراتيجي حيث ضمنته سلاح للردع الهجومي بعيداً عن النقاط الساخنة سواء في الخليج العربي أو مع الحدود الجنوبية لإسرائيل وهو قادر على الوصول لجميع الأعداء المحتملين في المنطقة


رابعاً تساؤلات نطرحها

بعد هذا التعريف والشرح عن العقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي (دول خط المواجهة والسعودية) هناك ثمة تساؤلات نطرحها للمناقشة والتحليل

1 – هل الأسلحة الموجودة لدى جميع دول مجلس التعاون الخليجي والصفقات المستقبلية تخدم هذه العقيدة العسكرية أم تتعارض معها؟؟!!

2 – النطاق الجغرافي الذي تنفذ عليه هذه العقيدة ,, بمعنى هل العقيدة العسكرية لدول الخليج العربي فقط ترتكز على الردع داخل الحدود وفقط الدفاع المفرط؟؟ أم تشمل الردع الهجومي وردة الفعل لتتعدى حدود دول الخليج العربي؟؟

3 – ما هي أفضل عقيدة عسكرية ممكن للدول الخليجية التي على خط المواجهة إنتهاجها للتخفيف من الأثار العكسية نظراً لغياب العمق الإستراتيجي بعكس المملكة العربية السعودية؟؟ وأيضاً ما هي الأسلحة المناسبة لخدمة هذه العقيدة؟؟

وأخيراً هل تتفقون معي فيما ذهبت إليه من تعريف وشرح للعقيدة العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي؟؟ أم أن لديكم رأي آخر وتعريفات أخرى؟؟