أدلى الدكتور عصام العريان بتصريحات أول أمس لوكالة الأناضول التركية ، من خلال بريده الالكتروني حسب ما أعلن ، والعريان هو عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة الممثل السياسي للجماعة ، رغم أن الجماعة تعمل بالسياسة أيضا ، قال العريان في تصريحه أنه يرحب بأي جهود للوساطة أو الحوار مع السلطات الجديدة ، ولكنه يشترط أربعة شروط قبل الحوار ، أولها عودة الرئيس المعزول محمد مرسي وثانيها عودة مجلس الشورى المنحل وثالثها عودة الدستور الذي تم تعطيله ، ورابعها محاكمة الفريق السيسي والقادة الذين شاركوه قرار عزل مرسي وإصدار خارطة المستقبل ، وأغلب الظن أن المحاكمة ستشمل شيخ الأزهر وبابا الكنيسة وقادة حزب النور والدكتور البرادعي وحركة تمرد ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الدستورية العليا ، بوصفهم قادة الانقلاب أو المشاركين فيه حسب كلام عصام ، وأنا أشكر لنائب رئيس حزب الحرية والعدالة تسامحه الكبير وتنازله العظيم عن الطلب الخامس وهو عودة الدكتور هشام قنديل على رأس الحكومة من جديد ، والحقيقة أن قناعتي الكاملة كانت دائما أن مثل عصام العريان كانوا هم أخطر خصوم جماعة الإخوان وأشد أعدائها الذين ورثوها المهالك ، هذه العقول الفارغة والمتعجرفة والتي تحتاج إلى إعادة تأهيل سياسي لتدرك الفارق بين الصلابة السياسية وغشومية الخطاب السياسي ، هي التي أطاحت بمرسي والإخوان من عرش مصر ، قبل أن يطيح بهم الآخرون ، عصام العريان ـ وحده ـ كان سببا في انقلاب نصف الإعلام المصري الخاص ـ على الأقل ـ على الإخوان المسلمين وتحول كوادر إعلامية عديدة إلى كراهية شديدة للإخوان بعد أن كانوا من المدافعين عنهم والمؤيدين لمرسي ، ولا معنى للعودة إلى ذلك العام الكئيب ، فالتاريخ ستأتي لحظة كتابته على مهل وبالتفصيل ، ولكننا في اللحظة الحالية ، فإن خطاب عصام العريان ليس له من ترجمة على الأرض سوى دفع المؤسسة العسكرية إلى المزيد من البطش والتنكيل بقيادات الجماعة ورموزها وكوادرها والعمل على اجتثاثها من جذورها البعيدة إن استطاعوا ، وهو ثمن فادح للغاية ، سيدفعه بسطاء ونشطاء وأسر لم يكونوا شركاء في مثل هذا الخطاب التحريضي المتغطرس والفج ، ورغم أن "المعادلة الصفرية" التي حذرنا منها الإخوان مرارا ظهرت نتائجها بشكل واضح ، وانتهت بالجماعة إلى الزنازين من جديد بعد أن كانوا في قصور الحكم ، وإلى تعرض الجماعة لحملة من الاستباحة والتنكيل لم تحدث منذ أكثر من ستين عاما ، ومع ذلك يواصل أمثال عصام العريان دفع الجماعة إلى "المذبحة" بمثل هذا الخطاب الدعائي المتعجرف والطفولي مع الأسف ، لأن رد الفعل الطبيعي والبديهي على كلامك ، أن "الانقلابيين" الذين تصفهم لن ينتظروا "جنابك" لكي تعقد لهم المحاكمات ، وإنما سيتصرفون باعتبار أن "الرسالة" لم تصل بالقدر الكافي للجماعة حتى الآن ، وأنها تحتاج إلى المزيد من "التأديب" حتى تعرف حجمها وحدودها ، فهل هذا ما يهدف إليه العريان في خطابه الاستعراضي العابث . في السياق ذاته أتصور أن "تحالف دعم الشرعية" الذي يقود احتجاجات الشوارع حاليا ، في حاجة إلى بلورة خطابه السياسي بشكل مفهوم وأكثر تحديدا وأكثر ذكاءا في إدارة الأزمة ، فلا معنى للاحتجاجات بدون أفق أو أهداف محددة أو مطالب "واقعية" يمكن أن يجري عليها تفاوض لتحقيق المصالحة "الممكنة"، وضمان الالتزام بالمسار الديمقراطي وتحييد المؤسسة الأمنية ووقف الملاحقات والعدالة الإعلامية والسياسية ومنع الإقصاء ، يحتاج التحالف إلى أن يبرز خطابه بوضوح كاف للرأي العام والأحزاب والإعلام المحلي والدولي وأيضا للسلطة الجديدة ، حتى لو أن هناك جهودا بعيدة عن الضوء تتم ، فإن وجود خطاب علني واضح يحقق لك دعما سياسيا كبيرا في مرحلة التفاوض ، كما سيكون من الضروري منع هيمنة الإخوان على مثل هذا التحالف أو فرض وصاية عليه ، وخاصة أن "الخراب" الذي حل بالبلاد وبالتيار الإسلامي وبالمسار الثوري ، كانت الجماعة هي سببه الأساس والجوهري وكانت إدارتها السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية والأمنية للدولة هي التي سهلت على خصومها حشد ملايين المصريين في موجة غضب هائلة أطاحت بهم بسهولة لم يتوقعوها ، وعلى التحالف الوطني ـ بشكل أساس ـ إبعاد مثل هذه الأصوات التخريبية والاستعراضية عنها ، لأنها تضر ولا تنفع ، لقد خربوها من قبل ، فليس من المنطق ولا العقل أن يسمح لهم بتخريبها من جديد .