رأت مجلة ''بولوتيكو'' الأمريكية أن الولايات المتحدة مهدده بفقدان دورها القيادي التاريخي في منطقة الشرق الأوسط نتيجة الحسابات الخاطئة لسياساتها الخارجية، مشيرة إلى أن ''المأساة التي تمر بها سوريا، والطموح النووي الإيراني، والحرب التي تخوضها واشنطن على الإرهاب استحوذوا على اهتمامها واستنفدوا مواردها، فضلا عن سوء العلاقات الأمريكية مع مصر.
وقالت المجلة، في مقالٍ نشرته في عددها الأخير، إن ''هذا قد يؤدي إلى حدوث أضرار كبيرة في المصالح القومية الأمريكية''.
وأضافت المجلة بخصوص التوتر الحاصل مع مصر أن هذا يذكر بما حدث في خمسينيات القرن الماضي عند انتهاء الهيمنة البريطانية على مصر حين خرجت من قناة السويس سنة 1956، وتنبأ الكاتب بحدوث مثل هذا الخروج مع الولايات المتحدة بعد هيمنة امتدت ثلاثة عقود على الشرق الأوسط، وهذا نتيجة الأزمة مع القاهرة.
وأكدت ''بوليتيكو'' أن واشنطون أثبتت جدارتها بتوثيق العلاقات مع القاهرة، سنة 1970، ملفتة إلى أن الرؤساء الأمريكان من ''ريتشارد نيكسون'' إلى ''جيمي كارتر'' مرورا بـ''جيرالد فورد'' سعوا لتوطيد هذه العلاقة الإستراتيجية، بعد أن أدركوا أن علاقة مصر مع الاتحاد السوفيتي السابق والتي امتدت عشرين سنة أثرت بقوة على الوضع الأمريكي في الشرق الأوسط، على حد قول الكاتب.
واستحضرت المجلة التاريخ عندما كانت مصر لا تزال القوة المهيمنة على الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، موضحة أن ميزان القوة في المنطقة تحول مرتين: الأولى كانت في سنة 1950، عندما قادت مصر المنطقة كلها إلى تحالف فعلي مع الاتحاد السوفيتي، والثانية في عام 1970 عندما قرر أنور السادات إنشاء تحالف قوي مع الولايات المتحدة لخدمة المصالح المصرية بشكل أفضل.
وتابعت أنه في سنة 1950 شهدت المنطقة تحولا جذريا بظهور فلسفة القومية العربية، والتي كانت التيار السائد حين ذاك، والذي أسفر عن تغير المنظور الذي يرى من خلاله العربي شخصيته.
وبنظرة تحليلية، أشارت المجلة إلى أن عدم فهم الغرب للتغيير الذي طرأ على المنطقة، وسوء التصرف (البريطاني) مع الأوضاع الراهنة خلال النصف الأول من القرن الماضي إلى نهاية السيطرة البريطانية في المنطقة، وظهور تباشير الحقبة السوفيتية.
وعودة إلى مصر في الوقت الحالي، قال كاتب المقال إن مصر تشهد الآن مرحلة تغير أخرى؛ حيث انتزعت الجماعات ذات التوجهات الإسلامية المكان من الأنظمة القومية المتصلبة، بينما تراقب باقي الدول العربية هذا المشهد بترقب لتحدد مدى التأثير الذي سيعود عليها نتيجة هذا التحول.
وأكد الكاتب على أن مصر تحظى بدور ريادي في المنطقة فريد من نوعه، وضرب مثلا: ''إذا سألت أحدا ما في الوطن العربي عن هويته فسيجيب ''أنا مسلم'' على العكس من المصري الذي سيبادر على الفور ''أنا مصري''.
ولفت الكاتب إلى أن إجابة ''أنا مصري''، تمثل الانتماء الهوية المصرية، الذي يقف في المواجهة مع زيادة قوة التيارات الإسلامية. وقال ''الهويتان سواء إسلامية أم مصرية تُزيد من فرص التحدي أمام الساسة الأمريكيين''.
وبالنسبة لقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني والمتهم فيها 41 أجانب ومصريين، قالت المجلة إن الولايات المتحدة مارست ضغوطات على المجلس العسكري الحاكم في مصر تضمن وقف المعونة الأمريكية (1.3 مليار دولار) لرفع حظر السفر عن الأمريكيين المتهمين في القضية، وأوضحت أن ''هذه المواجهة أحدثت صدام مباشر غير ضروري مع المصريين، لأن هذه المشكلة ضغطت بشكل كبير في منطقة الهوية المصرية.
وأكدت المجلة أن المشكلة لم تحل بعد، رغم محاولات التهدئة من قبل القاهرة. وشبهت ما حدث بما حصل خلال أزمة 1956 إبان حكم عبد الناصر، الذي قالت المجلة أنه تم تحميل على شخص واحد مسئولية الأزمة، وهو نفس الأمر هذه المرة؛ حيث ألقيت المسئولية على فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي.
وأوضحت المجلة أن هذا يؤدي إلى قراءة خاطئة للوضع؛ حيث أن هذه الرموز تعكس مشاعر وطنية ليست مبتدعة.
وقالت ''بوليتيكو'' إن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيادة تمويل منظمات المجتمع المدني بعد ثورة 25 يناير، رغم عدم موافقة القاهرة على تشغيل هذه المنظمات، فيما يعد ذلك انتهاكا لقانون تنظيم عمل منظمات المجتمع المدني في مصر، والذي يشترط أن تكون تلك المنظمات سواء أجنبية أو محلية مسجلة لدى وزارة التضامن الاجتماعي، وهو ما لا ينطبق على المنظمات التي يحقق معها.
ولفتت إلى أن الاتهامات التي وجهت لهذه المنظمات بالتجسس والعنصرية بالمسلمين وخرق القوانين المصرية، دفع القضاء المصري لمقاضاتهم بعد شهور من التحقيقات، وقوبل هذا القرار بدعم كبير من جانب أغلبية المصريين.
وأشارت المجلة إلى ما يقال في مصر بأن واشنطون مارست ضغوطا على القاهرة والمجلس العسكري الحاكم، للسماح لرعاياها المتهمين في قضية التمويل الأجنبي بالسفر، وهو ''ما يثبت أن واشنطون لا تحترم سيادة القانون في أي بلد، ويجب أن تغير من أجندتها''، على حد تأكيد الكاتب.
ونوه كاتب المقال إلى أن التحقيق قد يعاد فتحه مرة أخرى حال قطعت الولايات المتحدة معونتها عن الجيش المصري، مشيرة في نفس الوقت إلى أن الطرفين سيخسران.
وكشف الكاتب بأن مصر قابلت تهديدات قطع المعونة بالتلويح بتغيير قوانين مرور آلاف المقاتلات الحربية الأمريكية من قناة السويس والتسهيلات التي تحصل عليها بشكل سنوي، ''وهو ما يعني خسارة فادحة على مستوى التكلفة والكفاءة لعمليات قوات الجيش الأمريكية في شمال غرب أسيا وجنوب شرق أفريقيا''.
وختم الكاتب مقاله قائلا ''إن أمام واشنطون الآن حل من اثنين: إما أن تجد طريقة للتعامل مع الهوية الإسلامية والمصرية، أو أن تستمر في صدامها معهما، بما يعني انتهاء فترة هيمنتها في منطقة الشرق الأوسط''.
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]