منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى، ولم ينفك مؤيدوه عن الحديث حول الانقلاب العسكرى الذى أطاح به! ويبدو أنهم يتجاهلون حقيقة ما حدث فى محاولات بائسة لإقناع العالم للمساعدة فى إعادة الحكم إليهم! وحتى لا ننسى، علينا أن نتذكر سويا ما حدث لعل الذكرى توضح لنا حقيقة التحرك الذى أطاح بالرئيس السابق!
قبل 30 يونيو الماضى وعلى مدى شهرين تقريبًا وقع 22 مليون مصرى على وثيقة تمرد للمطالبة بسحب الثقة من د. محمد مرسى.
. دعت جميع القوى الوطنية المصرية ـ عدا من فى السلطة ـ المصريين للتظاهر يوم 30 يونيو لإسقاط د. مرسى ونظام الإخوان المسلمين، معلنة خطة ما بعد رحيله التى اتفقت عليها كل القوى الداعية للتظاهر: من تولى رئيس المحكمة الدستورية العليا منصب رئيس مؤقت للجمهورية، وتشكيل جمعية تأسيسية لصياغة دستور، وحكومة إنقاذ وطنى قادرة على إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية، ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بناء على الدستور الجديد، وطالبت المصريين بالنزول للميادين يوم 30 يونيو لإسقاط نظام الإخوان والبدء فى تنفيذ خارطة الطريق من أجل تصحيح مسار ثورة 25 يناير، واستكمال تحقيق مطالبها.
. بالتغاضى عن تقديرات جماعة الإخوان المسلمين غير الواقعية عن أعداد المتظاهرين يوم 30 يونيو ـ قدرتهم بمائة وثلاثين ألفاً- كان أقل تقدير ذكرته وسائل الإعلام المصرية والعالمية للمتظاهرين هو 17 مليونًا، وأكبر تقدير كان 33 مليونًا، خرجوا مطالبين ـ بشكل لا لبس فيه ـ بإسقاط حكم الإخوان لمصر.
· قام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالتعدى على المواطنين الذين تظاهروا فى بعض المناطق مثل: ميدان الكيت كات، وبين السرايات بالقاهرة، وسيدى جابر بالإسكندرية، والشون بالمحلة، والفيوم، وغيرها، مما أدى لاستشهاد عدد من المتظاهرين وإصابة آخرين، ثم خرج الرئيس السابق ليعلن تمسكه بالسلطة وتحذير شعبنا من بحور الدماء التى تنتظرهم فى حالة إصرار الشعب على الإطاحة به!
· نصت المادة 194 من الدستور (الذى وضعته جماعة الإخوان وحلفاؤها ولم توافق عليه قوى الثورة) على أن: «القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها» كما نصت المادة 195 من ذات الدستور على أن وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، واعتماداً على المادتين أعلن وزير الدفاع وجود خطر على أمن البلاد نتيجة الاشتباكات التى تهدد بنشوء حرب أهلية، وأمهل القوى السياسية أسبوعًا، ثم 48 ساعة للتوافق على خارطة طريق. حيث تجاهلت جماعة الإخوان المسلمين دعوة القوى السياسية للتفاوض، فدعا وزير الدفاع ممثلى القوى السياسية المختلفة بما فيها حزب الحرية والعدالة الحاكم ومؤسسات الدولة من المجلس الأعلى للقضاء والأزهر والكنيسة، إلا أن الحزب الحاكم تخلف عن الحضور، واتفق باقى المجتمعين على تطبيق خارطة الطريق المعلنة قبل بدء التظاهرات، وهو ما أعلنه المجتمعون سويًا.
وبحساب بسيط للمنافع والأخطار التى نتجت عن تدخل القوات المسلحة، سنجد أن الوضع وبدء احتكاك أعضاء جماعة الإخوان بالمتظاهرين مما خلف شهداء ومصابين، وتهديد قيادات الجماعة والرئيس السابق للمصريين ببحور الدماء، كان ينذر بحرب أهلية حقيقية أعلنتها صراحة قيادات الجماعة قد تؤدى لانهيار الدولة بالكامل! أما عن الأضرار الخارجية، فمما لا شك فيه أن موقف مصر الدولى تأثر كثيرًا، وهو ما أعلنته أكثر من إدارة ليس لها حلفاء فى النظام السابق، مثل ألمانيا وإنجلترا وروسيا وبالطبع إثيوبيا.
أما عن أهم المخاوف التى راودت كثيراً من المصريين ـ وأنا منهم! ـ بشأن وقوع البلاد فى قبضة حكم عسكرى قد يهدد المسار الديمقراطى ووضع مصر الدولى، وهو مالم يتحقق بالطبع، فقد أعلنت قيادة القوات المسلحة الانحياز إلى مطالب الملايين التى خرجت فى الشوارع، ولم تتول السلطة بل تبنت خارطة الطريق التى اتفق عليها المجتمعون. وحتى الفترة ما بين إعلان القوات المسلحة لبيانها فى التاسعة مساء وحتى العاشرة من صباح اليوم التالى ـ عندما حلف فيه الرئيس المؤقت اليمين الدستورية ـ لم تتول قيادة عسكرية حكم البلاد بل كان الرئيس الحقيقى فى تلك الفترة هو الرئيس السابق محمد مرسى طبقًا لبيان القوى المجتمعة والقوات المسلحة، والذى كان يحق له اتخاذ ما يراه من إجراءات وقرارات من الممكن أن تزيل الاحتقان، بدلاً من أن يسرب خطاباً يتحدث فيه عن الانقلاب، وهو ما ينفى وجود حكم عسكرى.
ولا أخفى تعجبى من أن يصدر حديثًا عن انقلاب عسكرى من قوى سياسية، وحكومات بعض الدول، التى عملت على جعل ثورة المصريين فى 25 يناير 2011 نصف ثورة / نصف انقلاب، حيث خرج المصريون مطالبين بإسقاط الرئيس الأسبق وتولية مجلس رئاسى مدنى أو رئيس المحكمة الدستورية العليا شؤون البلاد، إلا أن المجلس العسكرى السابق تولى شؤون البلاد عن طريق تكليف الرئيس الأسبق له بذلك، بالالتفاف على مطالب الثوار! وهو ما دعمته جماعة الإخوان وبعض الأصوات التى تقول اليوم إن ما حدث فى مصر انقلاب عسكرى!
وهناك الآن فى مصر حقيقتان رئيسيتان يجب الالتفات إليهما، الأولى: أننا جميعًا تعلمنا درس 25 يناير 2011؛ سواء الثوار أو قادة القوات المسلحة، وعرف المصريون أن تقدير ما إذا كان تغيير القائم الحاكم قد جاء بانقلاب عسكرى أم ثورة شعبية، يكون بتقدير ما نتج عن هذا التحرك، وأن ما حدث فى مصر منذ 30 يونيو حتى الآن هو تطبيق ما طالب به جموع المصريين، وتولى حاكم مدنى الحكم بشكل مؤقت لاستكمال خارطة الطريق، وهو ما يتطلب استمرار الثوار فى تحركاتهم لاستكمال ما بدأوه.
الحقيقة الثانية: أن الشعوب لا تتعلم الديمقراطية من خلال النظريات بل بالممارسة. وأن شعبنا تعلم خلال العامين والنصف المنصرمين أن الصناديق آلية ديمقراطية للتعبير عن الرأى وتداول السلطة بشكل سلمى والتغيير، وأن التظاهر أيضًا آلية ديمقراطية للتعبير عن الرأى وتداول السلطة فى مواجهة حكم مستبد، فلا ديمقراطية دون صناديق ولا ديمقراطية دون حق التظاهر المؤثر الذى يحدث نتيجة ـ وليس مجرد التظاهر الذى لا يلقى أى استجابة من الطرف الحاكم ـ وهو ما سيجعل مرشحى الرئاسة فى المستقبل يضعون الصناديق فى حسبانهم، ومن سينجح منهم سيضع فى حساباته التظاهر أيضًا! وسيحاول نيل رضا الشعب حتى لا تخرج الملايين فى مواجهته مرة أخرى، فيتحول منصب رئيس الجمهورية فى بلادنا من سيد على الشعب إلى خادم له؛ وهو بداية طريق الديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة. فهناك فارق بين أن تخرج المظاهرات ضد قرارات الحاكم، وأن تصل الأمور إلى خروج الملايين ضد وجوده نفسه! ولا شك أن منع إراقة دماء مواطن مصرى، أولى عندنا من بقاء حاكم على كرسى الحكم.