عزل د.مرسي، كان إجراءً سياسيًا وليس "دينيًا"، سواء اتفقت معه، أو عارضته، إلا أنه يظل ثمرة تطورات سياسية، لا علاقة لها بالدين، ومن الخطأ المفضى إلى الكوارث، أن يختزل داخل العواطف والمشاعر الطيبة، بوصفه انقلابًا على "الإسلام".. لأن تفسيره على هذا النحو، هو من قبيل "الانتهازية التنظيمية" التي تقف وراءها "جماعات المصالح" المتضررة من تدخل الجيش الأخير. أعرف مدى "القهر" الذي يشعر به الإسلاميون الآن، غير أن سؤال المستقبل، ينبغي أن يكون حاضرًا، في وقت يعاد فيه رسم خرائط النفوذ داخل السلطة الجديدة التي ورثت نظام حكم د.مرسي. الحشود في الميادين، هي في نهاية الأمر، حشود سياسية، لن تعيد مرسي إلى قصور السلطة، ولكنها قد تبرق رسالة إلى صناع القرار، بأن ثمة قوة أخرى معارضة لا يمكن حذفها من على خارطة المستقبل المعلن عنها يوم 3/7/2013. غير أن هذا يظل مرهونًا، بقدرة الإسلاميين على السيطرة على مشاعر الغضب والعصبية وتحسس موضع قدمهم، والسؤال بشأن الطرف المستفيد من حضور مرسي أو غيابه، أو ما إذا كان وجود الإخوان في السلطة، هو قضية الإسلاميين الوحيدة والتي تتراجع أمامها أية استحقاقات أخرى؟! حتى الآن تكلفة عزل مرسي، بالنسبة للإسلاميين، ما زالت في حدود هينة، إذ خسر الإخوان "السلطة".. وخسرت جماعات المصالح المرتبطة بها مصالحها.. غير أن الإسلاميين لم يخسروا شيئًا.. غير أن "الشحن" و"التحريض" على العنف، ومقايضة "شرعية" مرسي بـ"الدم".. قد تفضي إلى أن تكون تكلفة عزله باهظة، ولن تقتصر على "فاتورة الحريات" وحسب، وإنما إخراج الإسلاميين بالجملة من المشهد تمامًا: فلا إخوان ولا غيرهم.. وتحت غطاء شعبي غير مسبوق كما حدث عشية 30 يونيه. مظاهر التنكيل بالإخوان ـ كما قلت يوم أمس 6 يوليو 2013 ـ وفرت غطاء من التعاطف الشعبي مع قضيتهم، غير أن مشاهد الدم التي خضبت بها الميادين والشوارع والفضائيات، خصمت كثيرًَا من هذا التعاطف. أعلم أن الضحايا ربما يكون غالبتيهم من شباب الإخوان الغض والنبيل، ولكن ما لا يفهمه إخواننا في التيار الإسلامي، أن ثورة يناير انتصرت بـ"الصورة" وبـ"الميديا" وليس بالحقائق كاملة على الأرض.. والصورة ـ مساء أمس الأول ـ نقلت للرأي العام مشهدًَا مغلوطًا، قدم الإخوان وحلفاءهم من الإسلاميين بوصفهم "أمراء دم" وأن ما حدث "موقعة جمل" جديدة.. ضد معارضي مرسي. الاستقواء بالحشود وبامتلاك الشوارع وبدون امتلاك غطاء إعلامي حرفي ومقنع لا ينفع وحده.. بل قد تستخدم هذه الحشود كورقة ضد الإسلاميين.. وكما نعلم لا يمتلك الإسلاميون إعلامًا قادرًا على إقناع الرأي العام بـ"عدالة" قضيتهم.. بل إنهم عادة ما يتلقون الهزائم السياسية تباعًا.. عقب هزيمتهم إعلاميًا في كل مرة وبأقل مجهود. الأوزان النسبية للقوى السياسية على الأرض لم تعد وحدها قادرة على صناعة التاريخ.. بل انتقلت مراكز التأثير على حركة التاريخ، من القوى "الفاعلة" في الواقع.. إلى القوى "المتخيلة" في الميديا.. وهي الحقيقة التي هزمت الإسلاميين في معركة الشرعية الأخيرة.. خاصة أن تجربة الإخوان في الحكم، لم تساعدهم على استخلاص "منطق" يعزز من تماسكهم خلف مرسي.. ويهز من ثقة المعارضة في عدالة موقفهم مما جاء به الصندوق من نتائج. على الإسلاميين ـ غير المدربين سياسيًا وغير الجاهزين إعلاميًا ـ التخلي عن الالتفاف حول الأوهام المؤسسة لـ"دولة الخلافة" والنزول عند شروط الواقع بالعودة إلى رحاب الجماعة الوطنية والعمل من خلالها في إعادة صوغ مؤسسات الدولة الدستورية والديمقراطية.. فلا حل إلا في الشراكة الوطنية.. والباب لم يغلق بعد.