مصر خائفة, ترتعد من الرعب. منقسمة علي نفسها, وهي التي اعتادت علي التوحد طوال تاريخها. غاضبة وهي التي عرفها الزمان بالهدوء والوداعة والمسالمة. جائعة والجوع كافر.
مصر لا تحب رائحة الدم, وهاهي الدماء تزغرد في كل مكان.. فمن يوقف زغردة نافورة الدم ويضمد الجراح؟ أليس المفروض أن يفعل ذلك رئيس البلاد؟
ربما نسي الكثيرون, أو تناسوا, أن طابع مصر القومي الذي ورثته من تجارب السنين, هو الوداعة والطيبة والصبر, فماذا يحدث عندما يفقد بلد ما طابعه القومي؟ إنه يتوه ويتخبط فتكون بداية نهايته.. فهل نريد لمصر أن تنتهي؟ أطفالنا من يربيهم لو تقاتل الرجال وقتلوا بعضهم بعضا؟ زوجاتنا وبناتنا الضعيفات الشريفات من ذا يعولهن إن هن فقدن العائل؟ فمن المسئول عن حقن الدماء.. أليس رئيس البلاد؟
هل كنا نسمع أو نقرأ عن خروج قرية بأكملها علي أشخاص عزل فتذبحهم, ثم تسحلهم, وتحرق بيوتهم؟ لقد كنا إذا رأينا شعوبا أخري حولنا ترتكب هذه المجازر نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, وها هو الشيطان قد عربد وفجر واشتري أرواحنا فأصبحنا أتباعا له, ننفذ له خطته الأثيمة. فمن يوقف الشيطان عند حده ليعود ذليلا مهانا, ويتوقف سفك الدماء؟
إن30 يونيو علي الأبواب, وهاهم تجار الجثث يستعدون للرقص علي جثثنا, فهل يبلغ بنا الحمق أن نحرق بيوتنا بأيدينا؟ إن شيوخ منصر السياسة يترقبون الفرصة كي يبيعوا فينا ويشتروا, ثم يركبوا هم سياراتهم الفارهة, والسيجار في أفواههم, فهل نقدم أطفالنا قرة أعيننا قرابين لمطامعهم الأثيمة؟ تحرك يا رئيس البلاد!
هذه لحظة فارقة في تاريخ مصر, والشعب مغلوب علي أمره, تائه, طائش عقله من الذعر, مسلوب الإرادة إلا من هيمنة الغضب.. ثم عندما تقع الواقعة يصرخ: ليت كل ما جري ما كان. فمن يأخذ بيد هؤلاء المساكين ليرشدهم؟ قد يقولون الجيش موجود, فهل صحيح سيفعلها الجيش وينقذنا؟ وهل هو حقا يستطيع أن ينقذنا؟ وما الثمن الذي سيدفعه الشعب, وسيدفعه الجيش, لو تم ذلك؟ أليس الأجدر أن تأتي الخطوة الكبري من رئيس البلاد؟
وماذا تريد يا سيدي من رئيس البلاد؟ بسيطة.. نريد منه أن يكون رئيسا, وإلا فما هي صنعة الرئيس مالم يتدخل في لحظة فارقة مؤلمة كالتي نحياها الآن؟ نريده أن يعصم الدماء, ويحمي أرواح الأطفال والنساء, وأن يتدخل بقرارات شجاعة حاسمة لرفع البلاء. يعني ماذا تريده أن يفعل بالضبط, بعيدا عن البكائيات, والكلمات الإنشائية, ولطم الخدود؟ هذه قرارات يمكنه أن يتخذها علي عجل, فينقذ الأمة, ويعيد الثقة, ويفوت علي المتربصين خططهم اللئيمة:
نريده أولا, أن يصدر عدة قرارات سريعة بإقالة الحكومة, وتعيين حكومة جديدة, لا تكون أغلبية وزرائها من الاخوان المسلمين ولا من التيار الديني, بل من رجال أكفاء, جربناهم من قبل في مناصبهم فنجحوا.. وهم علي فكرة ـ كثيرون!
ونريده ثانيا, أن يوقف سريان حركة المحافظين الأخيرة, ويعين مجموعة محافظين يريدهم ناس المحافظات, ويرضون عنهم, ومن ثم يستجيبون لقراراتهم طائعين. ونريده ثالثا, أن يوقف العمل بالدستور الجديد, غير المرغوب فيه من الغالبية, ويدعو إلي تشكيل جمعية تأسيسية جديدة لوضع دستور جديد, يتم فيه تلافي عيوب الدستور القائم. وليس عيبا أن نتراجع كل فترة عن قرارات خاطئة اتخذناها, فتلك هي طبيعة الحياة, وهذه هي ميزة العقل الزينة الذي كرمنا به الله علي بقية مخلوقاته.
ثم نريده رابعا أن يعلن عن وقف مناقشة قوانين السلطة القضائية, ويخرج علي القضاة مؤكدا لهم أنكم أنتم من سيضع قوانين القضاء. ونحسب أن الدرس الذي تعلمه أساتذتنا القضاة في الشهور الأخيرة كفيل بدفعهم إلي وضع قانون لهم يحقق العدل في داخلهم, ثم العدل بينهم وبين الناس!
ونريده خامسا, أن يعلن أنه سيكلف الحكومة الجديدة بعد تشكيلها بإعادة النظر في التعيينات التي جرت في المؤسسات الكبري( التي هي هياكل الدولة) بحيث يتم التخلص من غير الأكفاء, الذين لا يملكون الخبرة الكافية, ليتم تسليم المؤسسات لرجال متخصصين دارسين, يعيدون كتابة لوائحها, بعيدا عن سرطان الفساد والمحسوبية والمجاملات المسيطر علي مفاصل وخلايا المؤسسات الكبري هذه الأيام. فهل تفعلها يا رئيس البلاد أم أن الانتماء للأهل والعشيرة ستكون له الأولوية؟ يا سيادة الرئيس, إن المنتمين للإخوان وللسلفيين والجهاديين والصوفيين كلهم مصريون, ولهم زوجات وأطفال, وهم ـ مثل بقية المصريين ـ خائفون الآن.. فهل تفعلها وتزيل الخوف عنهم جميعا؟ ربما يقول قائل: لكن هذه هي فرصة الإخوان ليحكموا وقد جاءتهم السلطة بعد طول انتظار, ولن يتركوها. ونحن نسأل: وهل من الحكمة التضحية بحاضر وطن ومستقبله لمصلحة فئة واحدة مهما يكن عدد أبنائها؟ إن الإخوان مصريون أولا وأخيرا, ولا نحسبهم يضحون بوطنهم من أجل عرض زائل للدنيا الفانية؟ فهل تستطيع يا سيادة الرئيس؟ نعم تستطيع!