هناك بعض المقولات التي تصدر من بعض رجال الدولة في مواجهة العديد من المواقف, يكون لها معني كبير.
إلا ان سرعة تداعي الاحداث تجعلنا نتناساها الي ان تظهر مؤشراتها انذارا بحدث جلل, فعندما وقع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل قال بيجين( لقد قتل السادات نفسه بقلمه). وعندما قال اللواء عمر سليمان إما الفوضي أو الانقلاب وعندما قال جنرال عاموس يادين المدير السابق لجهاز المخابرات الاسرائيلي أمان إن مصر كانت الساحة الاوسع للعمل بما يعجز أي نظام بعد مبارك
إن استمرار حالة الفوضي الحالية تقربنا كثيرا من مقولة عمر سليمان, وهو ما يعني كارثة وطنية علي الثورة والثوار, وإصرار أطراف المعادلة السياسية من كل القوي علي مواقفهم جعل مصر في خطر داهم, بل انتقلت حالة التربص من الداخل الي الخارج, واصبح الفاعل الإقليمي والدولي في قلب الاحداث وفي محاولة اكاديمية للاستقراء الي الامام لتبصير المتنازعين علي السلطة بمآل الوضع الراهن, وهو كارثي بكل المقاييس, وعلي الرغم من ان التاريخ علمنا انه لا يكرر نفسه فإن هناك حالات من المحاكاة يحكمها عقل التاريخ, فالحالة العربية وفساد الحكم في مصر عقب الحرب العالمية الثانية أدت الي نكبة1948 م, وفقدنا أرضنا المقدسة في فلسطين لكن من رحم الهزيمة كانت ثورة يوليو1952, الا ان خروجها عن النص الثوري الي خارج الوطن ادي الي نكسة1967, ورفض الشعب والجيش الهزيمة وكانت حرب الارادة الوطنية( الاستنزاف) وتلاها نصر اكتوبر وبتوقيع معاهدة السلام اغتيل بطل الحرب والسلام ليتولي مبارك الحكم لتبدأ مصر ثلاثين عاما عجافا علي اثر الجمع بين ثنائية الفساد والاستبداد.
لقد تحمل شعب مصر العظيم كل أخطاء زعمائه من معاهدة1936 الي قبول مبارك جميع شروط البنك الدولي, وكان واضحا للمراقبين ان مصر استقبلت الالفية الجديدة تحت سفح الهرم بخيلا دون ان تعد العدة لها, وكان مشروع التوريث الأسوأ,فاتسعت دوائر رموز الفساد من الداخل الي الاقليمي فالدولي, لتسقط الجمهورية الاولي علي اثرانتفاضة ثورية بعثت من وجدان شباب الطبقة الوسطي الذين سالت دماؤهم تحت عين وبصر المعارضة من النظام السابق والتي تتنافس اليوم علي السلطة, لقد كانت الايام الأولي من الثورة السلمية ملحمة وطنية أشبه بالأيام الاولي لنصر أكتوبر المجيد, وبسقوط رموز النظام وغياب قيادة للثورة تكالب الجميع علي ثمارها غير الناضجة وأصبحت ضحية الادارة بالارتباك من الاطراف, ويستثني المجلس العسكري الانجاز الوحيد المتبقي من ثورة يوليو في الوصول بالوطن الي شاطئ الديمقراطية بأقل الخسائر, وكان الفائز هو التيار الاسلامي في جولتها الاولي لنبدأ الجولة الثانية من الفترة الانتقالية بعد وصول رئيس شرعي منتخب ودستور حاز علي الاغلبية رغم ماشابه من ثغرات.
وما تمر مصر به الآن هو نتيجة طبيعية لحالة التنافر وعدم الوفاق خلال الفترة الانتقالية بجولتيها, حيث رفض الكل للكل. المعارضة ترفض السلطة المنتخبة دون إعطائها الفرصة, والسلطة ترفض قبول المعارضة أو احتواءها ولو بمواءمات, وهذا دليل علي ان مصلحة مصر غائبة, وأن ما يدور علي الساحة بعيد عن السياسة في والثورة قامت واختلطت دماء الثوار ورجال الشرطة و الجيش الابرار دون إنجاز أهداف الثورة اللهم غياب مبارك وإفشال التوريث. لقد غاب عن النخبة المتصارعة عاملان الأول انهم جميعا في زورق واحد في بحر لجي ولم نصل بعد الي اليابسة, وحتي لو وصلنا فبداية الطريق يتخلله عثرات وصعاب فوق سلسلة متتالية من الرمال المتحركة, تحتاج جهود كل الوطن لاجتيازها, والثاني ان الفاعل الخارجي اقليمي ودولي ـ متربص بحالة الولادة المتعثرة, بل ويعمل علي إجهاضها, وهم يتصورون ان الفوضي لإفشال الثورة في صالحهم فإسرائيل تريد أن تبقي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وتركيا تريد ان تكون نموذج السياسي المعتدل, وإيران تبحث عن موطئ قدم في وادي النيل. أما الغرب فرؤيته في حالة تمفصل وكل طرف يبعث بشروطه للبنك الدولي.
إن استمرار التردي الأمني والاقتصادي سيؤدي الي انهيار الدولة. وسقوط مصر أشبه بالزلزال المدمر والبركان المتفجر له توابعه المدمرة ستطول الجميع في جنوب أوروبا وإسرائيل والخليج العربي والشام الملتهب وقد تصل الي اعالي النيل, لعل النخبة قد فهمت استراتيجية الفوضي الخلاقة خطأ ولم تقرأ جيدا ماكتبه جين شارب في كتابه من الديكتاتورية الي الديمقراطية(2002), من أن استمرار الفوضي( العنف) بعد الثورة يولد نظاما أشد ديكتاتورية مما سبق, ولن استفيض في شرح تفصيله وان بدأت مؤشراته في أحداث الاغتيال في تونس مرآة الحقيقة لمصر, وأتحسب تدخل الفاعل الدولي بصور متعددة, بدأت بضغوط البنك الدولي وقد يتم تصعيد التدخل, فالمصالح العليا لا تعرف حدودا ولا تعهدات. وفي النهاية لن يحول دون سقوط مصر غير شباب مصر الداعي الي جبهة الضمير الوطني, وجيش مصر صمام الامان للشرعية بمفهومها الواسع, أفيقوا ايها المتناحرون من خيلاء مبارك التي أودت بمصر الي حافة الهاوية, إن سيناريو الرمال المتحركة في انتظار الجميع, ومصر والله من وراء القصد.