هل دخل العالم بالفعل غمار حرب عالمية ثالثة؟
يمكن القطع بأن العنف الذى بات منتشرا ومستشريا حول العالم، أضحى يمثل ويشكل ملامح تلك الحرب المجزأة بالفعل، والتعبير هنا لبابا الفاتيكان فرانسيس الأول، فى تعليقه على الأزمات الدولية المستمرة، والتى غالبا ما يكون ضحاياها من المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال، وحيث أصبح التعذيب فيها أمرا مألوفا، وهذه هى ثمار الحرب.
يعن لنا أن نتساءل ما الذى وصل بالعالم إلى هذا المشهد؟
الثابت أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم عقود طوال عرفت باسم الحرب الباردة، إلا أن التيمة الحقيقية أو العبارة السحرية التى سادت المشهد الدولى تمثلت فى عملية توازن القوى بين كتلتين، حلف وارسو، وحلف الأطلنطى.
فى هذا السياق الدولى كان الاستقرار النسبى والتوازنات العالمية هى سيدة المشهد، غير أنه وبعد نحو عقدين من انفراد الولايات المتحدة بقطبية عالمية منفردة، بدا وكأن البشرية تعيش بالفعل مرحلة «اختلال العالم».
لم تدم فترة النظام العالمى الجديد التى بشر بها الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب، لأكثر من عقدين، وها نحن نصل إلى مرحلة من اللانظام العالمى، ونرى أن الفوضى تجتاح العالم، وأن معظم الاتهامات توجه للرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما ولإدارته غير «القابضة على جمر» المشهد الدولى بحال من الأحوال.
هل الفوضى والعنف حول العالم هما استحقاق طبيعى لمرحلة ما بعد أمريكا؟
أفضل من قدم جوابا مؤخرا عن هذا السؤال هو عالم السياسة الأمريكية «راندل شولر» أستاذ العلوم السياسية فى جامعة أوهايو، عبر مقاله فى مجلة الفوريين أميرز الأمريكية الشهيرة تحت عنوان «لماذا لن يصبح النظام العالمى الجديد مهيمناً؟.. ما الذى يقوله البروفيسور شويلر» ويتصل بسياق العنف الدولى والفوضى العالمية التى نحن بصددها؟
يلزم قبل ذلك التذكير بفكرة الثنائية القطبية التى جبلت عليها الحياة السياسية العالمية منذ عصور التاريخ الغابرة، فنتذكر جيدا الفرس والروم، والإنجليز والفرنسيين، وصولا إلى الأمريكيين والروس، لكن هذا الوضع يبدو أنه سيتبخر فى العقود القادمة ولن يبقى إلا أثرا بعد عين... كيف ذلك؟
يرى البروفيسور «شويلر» أن العالم لن تصبح لديه قوة عظمى وحيدة مهيمنة أو مجموعة من القوى العظمى التى تفرض النظام على السياسات الدولية.. ما هو المشهد الدولى إذن وهل فى هذا المشهد إرهاصات لاستقرار عالمى قادم أم مزيد من القلاقل والعنف والاضطرابات بسبب تضارب المصالح غير المسبوق، والصراع الكونى إما على أدلجة العالم، أو على موارد العالم من جهة أخرى؟
يبدو أننا مقبلون على عالم تتحكم فى مقدراته أذرع أخطبوطية عديدة، من الدول، والشركات الكبرى، والحركات الأيديولوجية، وجماعات الجريمة، والإرهاب العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان، التى تناور بعضها البعض، وإن كان من دون تحقيق نجاح لتحقيق أهدافها... ماذا يعنى ذلك؟
إنه بلا شك يعنى تحول حالة السياسات الدولية من زمن كان يشهد رسوخا فى مبادئ سائدة ومهيمنة إلى نظام إن لم يكن من حيث طبيعته عصيا على الفهم، فإنه أكثر عشوائية وعدم استقرار وخال من الانتظام السلوكى.
ما الذى يتبقى قبل الانصراف؟
حتما الإشارة إلى إشكالية تحتاج لحديث خاص، ذلك أن جزءا بالغا من عنف المرحلة العالمية الحالية، إنما يعود إلى صعود الأصوليات المتطرفة، شرقا وغربا، وفى كافة الأديان السماوية، والمذاهب الوضعية، وصراع الأصوليات ذات المسحة الدينية هو أمر كارثى بلاشك فلا حل لصراع المطلقات الدينية، بل مواجهة تعمد إما إلى الفناء أو الموت، للواحد أو للآخر، والمحصلة النهائية مزيد من حزازات الصدور وكراهية النفوس.
إلى أين يمضى العالم؟
يخشى المرء من أن يطول البحث عن الجواب، وأن تستمر حالة فقدان التوازن الدولى هذه المحملة بصعوبات قاتلة، شديدة الوعورة والخطورة فى آن واحد، الأمر الذى يحتاج إلى تنادٍ دولى من الفهماء والحكماء، من فلاسفة العالم، ومفكريه، قبل اللجوء إلى السياسيين، فقد كان الحلم اليوتوبى أبدا ودوما أن يحكم الفلاسفة العالم كى يجنبوه أهوال أخطاء رجال السياسة، غير أن هذا الحلم الطوباوى لا يبدو أن له مكانا، ما يعنى أن البشرية قد تتجاوز الحرب العالمية المجزأة إلى الصراع الكونى دفعة واحدة وفى هذا تكون الكارثة لا الحادثة