لم تعد كلمة «الحروب» أو «المؤامرة» وحدها كافية لتصف ما يتعرض له مجتمعنا العربى اليوم، من محاولات لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط من جديد، وبدأ يتردد على مسامعنا بعض المصطلحات، منها ما هو جديد، ومنها ما هو قديم، فعلى سبيل المثال بدأنا نسمع عن «الجيل الرابع من الحروب»، و«الحرب بالوكالة»، «سايكس بيكو 2»، لتعبر عما تمر به المنطقة من مخاطر، سوف يكون لها تداعيات خطيرة خلال الفترة المقبلة.
وحسب ما هو معروف، تستخدم كلمة الحرب بالوكالة، حينما تستخدم القوى المتحاربة أطرافاً أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر، ومن ثم بنظرة بسيطة على ما تمر به المنطقة اليوم، سيجد أنها تعوم على بحر من الحرب بالوكالة، فالعراق لم يعد موحداً، وسوريا لم تعد دولة وفق تعريفات العلوم السياسية، بعد أن سيطر تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» على 40 % من الأراضى العراقية والسورية، كذلك ليبيا أصبحت تدار بواسطة الجماعات المتطرفة والخارجين عن القانون، وكل هذه القلاقل ليست بفعل احتلال خارجى أو تورط هذه البلدان فى حرب مع بلدان أخرى، وإنما قوى دولية لها مصالح معروفة تدعم جماعات جهادية ومرتزقة عملت على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وهدم أركان الدولة، حتى وصلت الأمور إلى ما هى عليه الآن.
ومن أكبر المخاطر التى تمر بها المنطقة، الحروب عابرة الحدود، التى تشنها منظمات إرهابية غير شرعية تضم جهاديين ومرتزقة ومدعومة من قوى معروفة.
كثيراً ما يهون البعض من خطورة ما يحدث، من خلال رفض نظرية المؤامرة، ولكن من مصلحته إنهاك الجيوش النظامية فى البلدان العربية بالشكل الذى أسفرت عنه ثورات الربيع العربى، أين الجيش العراقى؟، أين الجيش السورى؟، بالرغم من الاستبداد السياسى لنظام صدام حسين فى العراق، وآل الأسد فى سوريا، إلا أن الدولة كانت حاضرة، بينما الآن أصبحنا أمام أنقاض دول، وشعوب تئن، وحضارات تتوه وسط مصالح لدول إقليمية تغذيها مصالح دولية مكشوفة. الحرب بالوكالة مستمرة فى منطقتنا؟، نعم، وإلا ما كان الإنهاك طال الجيوش تارة فى محاربة الإرهاب المدعوم من دول عربية وغربية أيضاً، وتارة فى مشكلات داخلية، ويساعد على ذلك دعم غربى ملحوظ لحركات وجماعات غير شرعية أخذت مساحة الأحزاب السياسية، ومنظمات حقوقية دولية مسيسة، ساهمت فى تفاقم الأحداث كما نرى الآن.
من حسن حظ المصريين أن لهم جيشا توحد خلف قائد واستطاع كسر شوكة المتآمرين، ونجح الجيش المصرى فى أن يقف خلف قائده عبد الفتاح السيسى، والدفاع عن مصر التاريخ والهوية والكيان، والانتقال من مرحلة الانغماس فى المشكلات الداخلية، إلى حماية الأمن القومى، ليس لمصر فقط، وإنما للدول العربية أيضا.
علينا أن نعترف بأهمية تحصين أنفسنا من مخاطر تنظيمات داعش وغيرها، وعدم الاعتداد بالتدخل الخارجى، وضرورة توحد مصر والسعودية ودول الخليج من أجل رعاية المصالح العليا للأوطان، خاصة أن هذا التنظيم المتطرف يهدد كل منطقة الشرق الأوسط، ولا يقتصر تهديده على دول بعينها، كما يمكن الاستفادة من الخبرات الروسية فى وضع استراتيجية جديدة نحو مكافحة التنظيمات الإرهابية، من خلال تطوير ثقافى شامل، وسياسات أمنية محددة، من أجل حماية مجتمعنا من التطرف الدينى والفكرى، فالحروب اليوم لم تعد بين الجيوش وبعضها، وإنما بفضل المنظمات الإرهابية والجماعات المتطرفة أصبحت أداة فى يد البعض من أجل تدمير الأوطان وإعادة تشكيلها من جديد، لذلك لا بديل عن البدء فورا فى تجفيف منابع الإرهاب وروافد دعمه، عبر استراتيجية عاجلة، فالمرحلة الراهنة لا تحتمل التردد أو التلكؤ أو الأيادى المرتعشة.